فإن القطع بالحالة السابقة فيه كاشفية عن البقاء، حتى قيل: ما ثبت يدوم، وهذا في الشك في الرافع مما لا مجال للتأمل فيه.
نعم في الشك في المقتضي يمكن الترديد والتأمل فيه وإن كان قابلا للدفع.
وبالجملة: أن الاستصحاب مطلقا قابل لأن يجعل أمارة وكاشفا عن الواقع بملاحظة اليقين السابق، وليس من قبيل الشك المحض الغير القابل.
وأما بناء العقلاء على العمل بالاستصحاب - أي بمجرد كون شئ له حالة سابقة مقطوعة مع الشك في بقائه - فهو وإن ادعي فيه السيرة العقلائية في سياساتهم ومراسلاتهم ومعاملاتهم، لكن عملهم على مجرد ذلك غير معلوم، بل يمكن أن يكون ذلك بواسطة احتفافه بأمور أخرى من القرائن والشواهد والاطمئنان والوثوق، لا لمجرد القطع بالحالة السابقة.
وبعض المحققين من علماء العصر - قدس سره - وإن أصر على ما في تقريراته (1) على استقرار الطريقة العقلائية على العمل بالحالة السابقة - حتى قال: لا ينبغي التأمل في أن الطريقة العقلائية قد استقرت على ترتيب آثار البقاء عند الشك في الارتفاع، وليس عملهم لأجل حصول الاطمئنان لهم بالبقاء أو لمحض الرجاء - لكن للتأمل فيه مجال واسع.
عن الكون السابق الكاشف عن البقاء في زمن لاحق، وقد عرفت أن بناء العقلاء ليس على ترتيب الآثار بمجرد الكون السابق مالم يحصل الوثوق والاطمئنان. منه عفي عنه.