الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٨٨
فيصدق على المظنون لصدق الظن عليه وأيضا لا ريب أن خبر العادل لا يفيد غالبا إلا الظن وقد دل مفهوم الآية على قبوله فيكون المراد بالتبين في خبر الفاسق ما يبلغ به درجة خبر العادل في إفادة الظن وأيضا تعليل الامر بالتبين بإصابة قوم بجهالة يدل على قبول خبر الفاسق المفيد للظن إذ لا جهالة على تقديره إذ الظان للشئ ليس بجاهل له وأيضا مخافة أن تصيبوا ولا خوف على تقدير الظن وفساد هذه الخيالات مما لا يكاد يخفى على من أدنى أنس بالعلم لكن لا بأس بالتنبيه عليه فنقول أما فساد الأول فلان التبين حقيقة في طلب العلم لا لطلب الظن ولهذا يصح أن يقال ما تبين عندي هذا الامر ولكني أظنه فينتفي التبين حقيقة مع إثبات الظن و كذلك لفظ البيان والتبيان والتبين ونحو ذلك وكذلك والظهور و إطلاقه على الظن اصطلاح مستحدث ولو سلم أن مفهوم الظاهر أعم منعنا المساواة بين المفهومين وأما الثاني فلان الآية على تقدير دلالتها بالمفهوم على حجية خبر العادل لا دلالة لها على أن حجيته من جهة إفادته للظن حتى يسري إلى خبر الفاسق المفيد له بل للتعبد كالآيات الدالة على حجية الشهادة ومما يؤكده أن خبر الفاسق يفيد الظن غالبا كخبر العادل وإن كان أقل بالنسبة إليه وحينئذ فلا وجه لاطلاق القول بحجية خبر العادل وعدم حجية خبر الفاسق بل كان ينبغي أن يقال إن جاءكم خبر لا يفيدكم الظن فتبينوا أو ما يفيد هذا المقام وأما الثالث فلان الجهل نقيض العلم فالظان جاهل قطعا كالشاك والمتوهم ولا يرد أن خبر العادل لا يفيد العلم غالبا فعلى تقدير اعتبار المفهوم لا يستقيم التعليل لجريانه في خبر العادل أيضا لان العمل بالطريق المعتبر شرعا عمل بالعلم قطعا وإن كان بالنسبة إلى الظاهر كالعمل بالشهادة ونحوها فلا يجري فيه التعليل أعني العمل بجهالة وأما الرابع فلان التقدير كراهة أن تصيبوا و تقدير المخافة غير مناسب للمقام وزعم أيضا أن أخبار العلاج مفيدة لحجية الخبر المفيد للظن الفعلي وهو أيضا كما ترى لان تلك الأخبار إن نزلت على ظاهرها كان المستفاد منها الترجيح بإحدى الامارات المذكورة فيها تعبدا وأين هذا من دعوى دلالتها على حجية الخبر الواحد من حيث إفادته للظن وإن نزلت على أن المقصود منها ترجيح الأقوى من المتعارضين بتلك الوجوه ونظائرها فهذا لا يقتضي حجية ما يفيد منها للظن وإن نزلت على أن المقصود منها للظن الفعلي من حيث إفادته له فضلا عن إفادة ذلك بالنسبة إلى الاخبار الغير المتعارضة لان الخبرين المتعارضين إذا عارضهما أمارة غير معتبرة كالقياس اندرجا في عموم تلك الأخبار في وجوب الاخذ بما هو أقوى منهما مع عدم إفادة شئ منهما للظن الفعلي حجة المانعين أمور الأول الآيات التي تضمنت النهي عن اتباع الظن والذم عليه كقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم فإن ما للعموم فيتناول المقام أيضا وقوله تعالى أن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عدم جواز التعويل على الظن وظاهر أن أخبار الآحاد لا يفيد إلا الظن على ما هو المفروض في محل البحث فيندرج في الظن المنهي عن اتباعه والجواب أما إجمالا فهو أن هذه الآيات على تقدير تسليم دلالتها على حرمة العمل بالظن إنما يتناول الظن الحاصل من الخبر الواحد بالعموم أو الاطلاق فهي معارضة بالآيات التي دلت على جواز العمل بخبر الواحد بالخصوص فيتعين تخصيصها وتقييدها فإن قيل النسبة بين الآيات الواردة في المقامين عموم من وجه لان الآيات الدالة على قبول خبر الواحد تتناول الخبر المفيد للعلم وغيره كما أن الآيات الدالة على حرمة العمل بالظن تتناول الظن الحاصل من خبر الواحد وغيره فيبقى ترجيح تخصيص الثانية بالأولى مجردا عن المرجح قلنا لا خفاء في أن خبر الواحد غالبا لا يفيد العلم فتنزيل الآيات الدالة على حجيته مطلقا على صورة إفادته للعلم تنزيل لها على الفرد النادر بخلاف العكس وكفي بمثله مرجحا في مثل المقام مضافا إلى الأدلة السابقة سلمنا لكنهما متكافئان فيتساقطان فيبقى بقية الأدلة سليمة عن المعارض سلمنا لكن تناولها لجميع الأزمان والأحوال من باب الظهور دون القطع وهو لا يصلح لمعارضة ما أسلفنا من الأدلة القاطعة على حجية الظن عند انسداد باب العلم فيتعين تخصيصها والتحقيق أن لا معارضة بين تلك الآيات لان ما دل منها على جواز العمل بخبر الواحد لم يدل على جوازه من حيث كونه مفيدا للظن بل من حيث كونه خبرا واحدا وما دل على عدم جواز العمل بالظن إنما يدل على عدم جواز العمل به من حيث كونه ظنا لا من حيث كونه خبرا واحدا فلا منافاة بين حرمة العمل [التعويل] على الظن الحاصل من خبر الواحد وبين جواز التعويل على نفسه كما في الشهادة وأخبار ذي اليد والاستصحاب ونحو ذلك فإن التعويل على الظن الحاصل منها تشريع محرم وعليها من حيث أنفسها واجب معتبر وأجاب بعض المعاصرين بأن مفاد هذه الآيات حرمة العمل بالظن مطلقا فإن صح لزم منه حرمة العمل بها أيضا لأن مفادها لا تزيد على الظن وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال وفيه نظر لان المتبادر من النهي عن العمل بالظن على تقدير كونه ظنيا النهي عن العمل بما عدا هذا الظن مع أن تعميم حكمه إلى نفسه يوجب اللغو الممتنع صدوره عن الحكيم على أن المقصود ليس منع حجية كل ظن بل الظن الغير الكتابي أو الظن الحاصل من خبر الواحد لقيام الاجماع على حجية الظن المستند إلى ظاهر الكتاب في حق المجتهد حيث لا يعارضه ما ثبت حجيته عنده كما هو الشأن في كل حجة ظاهرية وأما تفصيلا فنقول الحكم في الآية الأولى مختص بالنبي والتعدي إلى يستدعي دليلا وهو في المقام منتف ويمكن دفعه بآية التأسي مع أن عموم الآية مبني على أن يكون ما موصوفة لا موصولة وهو غير معلوم ذكره بعض المعاصرين و هو ضعيف لان الآية على تقدير الثاني أيضا تفيد العموم لان عموم الموصولة أفرادي لا مجموعي وآيات الذم إنما وردت في حق الكفار حيث عولوا على الظن في أصول دينهم فلا يدل على تعميمه إلى الفروع
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»