الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٩٣
مختلفة وقيل بل هو المداومة على نوع واحد منها وربما قيل بأن المراد بالاصرار عدم التوبة ولعل المراد عدمها مع التذكر فيرجع إلى أحد الأقوال السابقة وأما فعل المكروه وترك المندوب فلا يقدح في العدالة ما لم تبلغ درجة التهاون والاستخفاف فيدخل بهذا الاعتبار في المحرم كما نبه عليه بعضهم والمراد بالمروة على ما صرح به جماعة اتباع محاسن العادات والتحرز عن مساويها من المباحات التي تنفر عنها النفس وتؤذن بدناءة فاعلها كالأكل في الأسواق والمجامع والبول في الشوارع عند سلوك الناس ولبس الفقيه لباس الجندي ولمضايقته في اليسير الذي لا يناسب حاله ونقل الماء والأطعمة بنفسه ممن لا يليق به ذلك إن كان عن شح وبخل وأمثال ذلك ولا يذهب عليك أن هذا يختلف باختلاف الأحوال و الأزمان والبلاد فقد يكون الفعل الواحد منافيا للمروة في حال دون حال أو في زمان دون زمان أو في بلد دون بلد ثم حجتهم على اعتبار ملكة التقوى ما سيأتي في صحيحة ابن أبي يعفور وغيرها وأما المروة فلم نقف لهم فيها على حجة ولهذا أنكر بعض المتأخرين اعتبارها بالمعنى الذي ذكروها في العدالة لخلو أخبار الباب عنه وقال إنه لم يوجد اعتبارها في كلام من تقدم على العلامة وإنما هو مذكور في كتب العامة وتبعهم فيه العلامة وتبعه جماعة ممن تأخر عنه و ينبغي القطع باعتبارها إذا كان في مخالفتها دلالة على ضعف العقل و قصور التميز المورث لعدم الاعتداد بتقوى صاحبها وبشهادته و ما أشبه ذلك وربما ينبه على ذلك قول الكاظم عليه السلام في حديث هشام ألا لا دين لمن لا مروة له ألا لا مروة لمن لا عقل له وأما ما ورد في بعض الاخبار من أن المروة إصلاح المعيشة وفي بعضها هي أن يضع الرجل خانه بفناء داره وأنها مروتان مروة في الحضر و مروة في السفر الحديث وفي بعضها ستة من المروة ثلاثة منها في الحضر وثلاثة منها في السفر الحديث فمحمول على بيان أظهر الافراد والأحوج إلى البيان بحسب المقام السؤال لا الانحصار كما يظهر من اختلافها في البيان ماهية وعددا بل ربما كان ذلك صريح الرواية الأخيرة حيث دلت على أن الستة من المروة لا نفسها وأما إذا لم يكن في مخالفتها دلالة على ذلك فاعتبارها غير واضح وإن كان الأحوط مراعاته الثاني ما حكي عن جماعة من المتقدمين من أنها عبارة عن الاسلام مع عدم ظهور الفسق وعن الخلاف دعوى الاجماع عليه بل قال البحث عن عدالة الشهود ما كان أيام النبي صلى الله عليه وآله ولا أيام الصحابة ولا أيام التابعين وإنما هو شئ أحدثه شريك بن عبد الله القاضي ولو كان شرطا لما أجمع أهل الاعصار على تركه واحتج لهذا القول بجملة من الاخبار أظهرها الصحيح المروي عن أبي عبد الله عليه السلام حيث قال في شهود الزنا إذا كانوا أربعة من المسلمين ليسوا يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم إلى أن قال عليه السلام وعلى الوالي أن يخبر شهادتهم إلا أن يكونوا معروفين بالفسق وفي حديث علقمة عن الصادق عليه السلام لو لم يقبل شهادة معترف الذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء و الأوصياء لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا ولم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا ومال الشهيد الثاني إلى هذا القول وأيده بأن حال السلف يشهد به وبدونه لا يكاد ينتظم الاحكام للحكام خصوصا في المدن الكبيرة والقاضي القادم إليها من بعد والجواب المنع من الاجماع والدعوى المذكورة إن سلمت فإنما تسلم بالنسبة إلى الصحابة والتابعين الذين لا عبرة بمذاهبهم وآرائهم والاخبار معارضة بما هو أشهر منها فتوى ورواية و أقوى سندا ودلالة مع مخالفتها لمذهب العامة على ما يدل عليه حكاية الشيخ وموافقيها للأصل والاحتياط ولظاهر قوله تعالى و أشهدوا ذوي عدل منكم فإن الظاهر منه اعتبار صفة ثبوته في الشاهدين زائدة على كونهما من المسلمين بل الظاهر منه كونهما معتدلين في أمر الدين والاعتدال فيه إنما يتحقق بالمحافظة على فعل الواجبات وترك المحرمات لا بمجرد عدم ظهور الفسق إلا أن يجعل ذلك طريقا شرعيا إلى معرفته فيتوجه المنع إلى ثبوته ومفهوم القيد وإن لم يكن معتبرا في نفسه لكن قد يعتبر بمساعدة المقام عليه كما في المقام ولا يعارضه قوله تعالى فاستشهدوا شهيدين من رجالكم لان المطلق يحمل على المقيد ولا اختلال في ذلك لنظام الحاكم لامكان تعويلهم على حسن الظاهر المستند إلى المعاشرة ولو في الجملة أو لاستفاضة أو تعديل من علمت عدالته بأحد الطريقين و لا يبعد أن يكون مراد أهل هذا القول بعدم ظهور الفسق عدم ظهوره بعد معاشرة في الجملة وما في حكمها وفي بعض كلمات الشيخ ما يشير إليه فيرجع إلى حسن الظاهر وهو القول الثالث نعم ربما أمكن الفرق بينهما في تعيين القدر المعتبر من المعاشرة الثالث حسن الظاهر والقول به معزى إلى أكثر متأخري المتأخرين و الظاهر أنهم يريدون بحسن الظاهر أن لا يظهر منه كبيرة بعد الفحص عن حاله أو المعاشرة معه قدرا يعتد به في وصفه بحسن الظاهر عرفا وليس مرادهم مجرد عدم ظهور الفسق كما توهم لبعده عن ظاهر اللفظ ولرجوعه إلى القول الثاني والظاهر منهم إنكاره و استدل لهذا القول بما رواه في الفقيه في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام بم يعرف عدالة الرجل من المسلمين حتى يقبل شهادته لهم وعليهم فقال عليه السلام أن يعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار من شرب الخمر و الزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس إلى أن قال بعد ذكر مواظبته على الصلوات الخمس وعدم تخلفه عن جماعة المسلمين إلا من علة فإذا سئل
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»