الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٧١
سواء أفاد غيره كما مر أو لم يفده أيضا إما لسبقه بأحدهما أو لاحتفافه بأمارات توجب عدم الاعتداد به ولو أفاد قوة الظن وقلنا بأن الضعيف منه يخالف القوي في النوع وبأن الجنس لا يبقى بعد انعدام الفصل أمكن شمول الحد له ويبقى النقض بما عداه وقد يجاب بأن المراد ما أفاده بنفسه فلا يقدح عدم إفادته له لمانع ويشكل بأن الخبر في نفسه لا يفيد شيئا وإنما يفيده بضميمة القرائن الداخلة و الخارجة ولو أريد به تجريد النظر عن القرائن الخارجة فقط بقي النقض بحاله لان الخبر بالنظر إلى القرائن الداخلة قد يفيد العلم وقد لا يفيد الظن أيضا ويمكن دفعه بما ذكرناه في حد التفتازاني وينقسم باعتبار كثرة رواته وعدمها إلى مستفيض وغير مستفيض لان رواته إن كان فوق الثلاثة فهو المستفيض وإلا فغيره وبعضهم يجعل المستفيض أعم من المتواتر وهو غير معروف وباعتبار حال الراوي إلى خبر عدل وإلى خبر غيره واختلفوا في خبر العدل فقيل يفيد العلم مطلقا وقيل لا يفيده مطلقا وهما في طرفي إفراط و تفريط والحق ما ذهب إليه الآخرون من أنه قد يفيده إذا انضمت إليه القرائن وقد لا يفيده بل الحق عدم اختصاصه بخبر العدل فإن خبر الفاسق أيضا قد يفيده كما يظهر من كلام كثير بل الظاهر أنه لا قائل بالفرق في ذلك ولهذا حرر النزاع في مطلق خبر الواحد من ترك التعرض للقول الأول لنا شهادة الوجدان بذلك فإنا كثيرا ما نعلم الوقائع بإخبار آحاد يخبروننا بها حيث لا يخالجنا في صدقهم شك و ارتياب وقد مثلوا لذلك بأنه إذا أخبر ملك بموت ولد له قد أشرف عليه وخرجن المحذورات على صورة منكرة لا يخرجن لغير موت مثله عادة فإنا نقطع بصدق ذلك الخبر وأما ما يقال من أن المفيد للعلم هو القرائن دون الخبر فمدفوع بأن المفيد هو الخبر بمعونة القرائن إذ قبل الخبر كنا نجوز موت غيره احتج المانع بوجوه منها أنه لو أفاد العلم لكان عاديا والتالي باطل بيان الملازمة أنه لا ترتب ولا علية إلا بإجراء الله عادته بإيجاد شئ عقيب آخر وأما بطلان التالي فلانه لو كان عاديا لاطرد ومن المعلوم خلافه والجواب إن أريد بلزوم الاطراد لزومه في الاخبار المحفوفة بالقرائن المقتضية للعلم فبطلان التالي ممنوع أو في مطلق الاخبار حتى المجرد عن القرائن فالملازمة ممنوعة ومنها أنه يؤدي إلى تناقض المعلومين إذا حصل الاخبار بهما على ذلك الوجه إذ وقوع مثل ذلك جائز وهو يؤدي إلى الجمع بين المتناقضين والجواب المنع من ذلك لأنه متى اتفق وقوع مثل ذلك لاحد في قضية امتنع أن يتفق مثله في نقيضها معه إذ يعتبر في حصول العلم بأحدهما عدم الاخر وإن أريد لزوم حصول العلمين في زمانين فبطلانه ممنوع لتحققه في سائر الأدلة القطعية ومنها أنه لو أفاد العلم لوجب القطع بتخطئة من يخالفه بالاجتهاد وهو باطل بالاجماع والجواب أن وقوع ذلك عندنا في الاحكام غير ثابت وعلى تقدير ثبوته ممتنع بطلان التالي والاجماع المدعى عليه توهم لأنه على غير الجهة المحفوف هذا ويلزم على القول الأول أن لا يحتاج في الشهادة إلى تعدد الشهود بل يلزمه أن يكتفي بقول المدعي مع عدالته وأن يمتنع التعارض في أخبار العدول مع أن المناط في إفادة العلم وصف العدالة و هي تثبت بأمارة ظنية كالاستصحاب فكيف يستند العلم بالصدق إليها فصل لا ريب في جواز التعبد بخبر الواحد المحفوف بالقرائن التي تفيد بمعونتها العلم عقلا وشرعا كالخبر المتواتر وهو موضع وفاق وأما المجرد عنها فالمعروف بين أصحابنا جواز التعبد به عقلا وأنكره بعض قدماء أصحابنا كابن قبة فمنع منه عقلا وحكى ذلك عن جماعة من مخالفينا أيضا والتحقيق أن القائلين بالجواز إن أرادوا به الجواز بمعنى عدم حكم العقل فيه بالامتناع والقبح الواقعيين كما يظهر من احتجاجهم عليه بالضرورة فالحق هو الجواز والمستند ما ذكروه وإن أرادوا به الجواز الواقعي بمعنى أن العقل يحكم بأنه لا قبح في العمل به واقعا وأنه لا يمتنع منه تعالى بمقتضى الحكمة أن يكلفنا بالعمل به كما يظهر من بعض المعاصرين فالحق بطلان القول بالجواز كالقول بالامتناع إذ ليس العمل بخبر الواحد مما يدرك العقل جهاته الواقعية حتى يحكم فيه بجواز أو امتناع بالأحكام وإن أرادوا به الجواز الظاهري بمعنى عدم القبح ما لم ينكشف الخلاف فإن اعتبر مطلقا فالحق خلافه لان العقل لا يستقل بجواز الاعتماد على خبر الآحاد في معرفة الاحكام ولو مع التمكن من العلم ولو خص بصورة الانسداد فلا ريب في ثبوت الجواز لكن يبعد حد التزام المانع بالمنع فيها بل ظاهر كلامه ينصرف إلى غيرها إذ لزوم التكليف بالمحال على تقديره جلي والذي ينبغي للمانع حينئذ أن يحيل الفرض المذكور لا أن يمنع عن حجية خبر الواحد على تقديره وحيث علمت أن الأظهر من وجوه محل النزاع هو الوجه الأول فلنجري الكلام عليه فنقول الحجة على ما اخترناه من الجواز قضاء الضرورة به وقد أشرنا إليها وأما المانعون فقد احتجوا بوجهين الأول أن العقل يجوز كذب المخبرين وعلى تقدير كذبهم يؤدي العمل بخبرهم إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال وهو قبيح عقلا فيمتنع تجويزه والجواب من وجهين الأول النقض بالفتوى بناء على عدم التصويب كما هو الصواب أو بشهادة الشاهدين وما قام مقامهما وبالأصول المسلمة كأصل البراءة وبالظنون اللفظية ونحو ذلك ووجه النقض أنه قد يقع الخطأ في مؤدى هذه الطرق كما يشهد به الاعتبار والاختبار وعلى تقديره يجري فيها ما ذكروه في خبر الواحد بعينه من لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال فيلزم عدم جواز التعويل عليها وهو باطل بالضرورة والاجماع وربما أمكن النقض بالقطع أيضا لوقوع الخطأ فيه وإن كان أقل من غيره وأما ثانيا فبالحل و هو أنه إن أريد بتحليل الحرام وتحريم الحلال وتحليل ما هو حرام ظاهرا فالملازمة ممنوعة إذ ثبوت الاحكام في الظاهر منوط بمساعدة الأدلة عليها ولا فرق حينئذ بين أن يعتبر التحليل والتحريم المستفاد من خبر الواحد ظاهريين أو واقعيين وإن أريد تحليل ما هو حرام واقعا وتحريم ما هو حلال واقعا فإن اعتبر التحليل و التحريم من حيث الواقع فالملازمة أيضا ممنوعة وإن اعتبر من حيث
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»