الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٦٨
ولوازمهما البينة المحسوسة فلا تواتر في الاحكام العقلية ضرورية كانت ككون الكل أعظم من الجز أو نظرية كحدوث العالم وقدمه و تركب الجسم من الهيولى والصورة أو الجواهر المفردة لا بمعنى أن العلم لا يحصل بأقوال أهلها وإن كثروا لوضوح أن العلم قد يحصل بها كما نجده في أنفسنا بالنسبة إلى بعض المسائل المنطقية و المباحث الحسابية والهندسية التي لم نزاول مقدماتها ووجدنا أربابها قاطعين بها متسالمين عليها وذلك بعد علمنا بمدرك تلك العلوم و طرق استنباطها إجمالا وبعلو مرتبة أربابها فيها فإن العادة قد يتخيل تظافر مثلهم على الخطأ في الاستنباط عن مثل تلك المدارك وقد صرح بعض المحققين بأن إطباق جميع من يعتد به من العقلا الأولين والآخرين على وجود صانع مبدع للأنام مدبر للنظام مما يفيد العلم العادي بصدقهم وعدم تواردهم على الخطأ في ذلك بل بمعنى أن اتفاقهم وتسالمهم على قول واحد لا يسمى متواترا وإن أفاد العلم بصحته والفرق بين الامرين بين ومنها أن لا يكون السامع عالما لواقعة من غير طريق التواتر ولهذا لا يقال وجود بلداننا التي شاهدناها متواترة عندنا وعلل بأن الخبر حينئذ لا يفيد العلم للزوم تحصيل الحاصل ويشكل فيما لو تأخرت المشاهدة عنه ومنها أن لا يكون السامع قد سبق إليه شبهة أو تقليد يؤدي إلى عدم الوثوق بالخبر ذكره السيد ورام بذلك الفرق بين الأخبار المتواترة بوجود البلدان والأخبار المتواترة بكثير من معجزات النبي صلى الله عليه وآله التي يتفرد بها المسلمون ورواية النص الجلي على إمامة علي عليه السلام وخلافته التي يتفرد بها الامامية والتحقيق أن هذا الشرط شرط في حصول العلم بالتواتر لا في تحققه فإنا نقطع بأن الأخبار المذكورة متواترة عند كثير من لا يقول بمقتضاها من الكفار والمخالفين وإن أنكروا كونها متواترة لعدم إفادتها للعلم عندهم ولهذا نقول إن الحجة قد تمت ولزمت في حقهم إذ لا عبرة بشبهة الجاحد بعد وضوح مسالك الحق وظهورها وقد يشترط في التواتر أن يكون المخبرون من أهل بلدان مختلفة واعتبر بعض اليهود أن لا يكونوا من أهل دين واحد وهما بمكان من الضعف والسقوط وافترى بعض العامة علينا القول باشتراط دخول المعصوم في المخبرين ولعله توهم ذلك مما يقول به جماعة من أصحابنا في حجية الاجماع فصل قد يتحقق التواتر بالنسبة إلى المدلول المطابقي للخبر فإن اتحد المدلول المطابقي للاخبار علم به صدق الجميع بناء على تفسير الصدق بمعناه المشهود كالاخبار بأن مكة موجودة وإن اختلف مداليلها ولم يكن بينهما تلازم علم بالتواتر صدق بعض منها لا على التعيين وفي إطلاق المتواتر على مثل ذلك وجه غير بعيد و ذلك كما لو أخبرنا مخبر بأنه سأل زيدا فأعطاه دينارا وآخر بمثله و هكذا إلى أن تظافرت الاخبار عندنا بذلك فيقطع بها أن زيدا قد أعطى سائلا دينارا أو أعطى جماعة من السائلين منهم دنانير وهذا القدر المتيقن صدقه بالتواتر من تلك الأخبار مدلول مطابقي لبعض تلك الأخبار ومن هذا الباب ما نقل لنا من وقائع على أمير المؤمنين فإنا نقطع بتلك الأخبار لكثرتها وتظافرها صدق جملة منها وإن جهلنا التعيين وكذا ما نقل عنه عليه السلام من خوارق العادات و الاخبار بالمغيبات فإن بعضها وإن كان متواترا بالخصوص إلا أن الحال في كثير منها كما مر وقد يتحقق مثل هذا في خبر الواحد فإنه لو أخبرنا مخبر بوقائع فقد نقطع بصدق بعضها نظرا إلى امتناع الكذب في حقه بالنسبة إلى المجموع عادة لكنه لا يسمى متواترا و لقائل أن يقول لو كان تكاثر الاخبار المختلفة يوجب العلم بصدق بعضا فلا ريب في أنا نعلم بأن الاخبار الكاذبة الموجودة في الدنيا لكثرتها تبلغ درجة التواتر بل تزيد عليه فيجب أن نعلم بصدق بعضها مع أن التقدير علمنا بكذبها أجمع وجوابه أنا لا نعتبر في التواتر عددا معينا ولا ندعي أن الاخبار متى بلغت عددا مخصوصا لا بد وأن تكون متواترة بل الامر في حصول التواتر عندنا محال إلى العادة فمتى بلغت الاخبار في الكثرة ولو بمساعدة الامارات الداخلة بحيث يستحيل أن تكون بأجمعها كذبا كان ذلك تواترا والكثرة بهذا الاعتبار تمتنع تحققها في الفرض المذكور وإن أريد أن تكاثر الاخبار المختلفة لا يفيد العلم بصدق شئ منها وإن بلغت في كثرة ما بلغت فمكابرة جلية إذ يشهد ضرورة الوجدان بخلافه شهادة بينة وقد يتحقق التواتر بالنسبة إلى المدلول التضمني للخبر كما لو أخبرنا مخبر بأن زيدا كان في ذلك في وقت كذا في موضع كذا من الكوفة و آخر في موضع آخر منها وهكذا فيمكن أن يحصل لنا العلم بتلك الأخبار بأنه كان في وقت في الكوفة وهو مدلول تضمني لتلك الأخبار وقد يتحقق بالنسبة إلى المدلول الالتزامي وهذا قد يكون اللازم فيه لازما لكل واحد من الاخبار وقد يكون لازما للقدر المشترك بينها وقد يكون لازما للقدر المعلوم به منها وإن كان هو الجميع وأيضا قد يكون اللازم مما أريد إفادته بتلك الأخبار وقد لا يكون كذلك ثم الغالب في تواتر اللازم أن يتواتر معه الملزوم أيضا سواء كان معنى مطابقيا لها معينا أو مرددا أو تضمنيا استند العلم باللازم إلى العلم بالملزوم أولا وقد يتواتر اللازم بدون الملزوم فيعلم به صدق اللازم دون الملزوم ولا يجوز حينئذ أن يستند العلم باللازم إلى العلم بالملزوم إذ التقدير انتفاؤه بل إلى الاخبار به اللازم للاخبار بالملزوم وحصول التواتر في اللازم مع عدمه في الملزوم إنما يتم عند اختلافها في عدد التواتر وذلك كما لو أخبرنا مخبر بقطع عنق زيد وآخر بإحراقه وآخر بإلقائه من شاهق وآخر بإلقاء حجر عظيم عليه إلى غير ذلك من الاخبار بأسباب موته فيمكن أن يحصل لنا من تلك الأخبار العلم بموته الذي هو مدلولها الالتزامي وإن لم نقطع بشئ من تلك الأسباب بل جوزنا موته بسبب آخر ولا يذهب عليك أن هذا لا يتم إلا حيث يكون اللازم لازما لكل واحد من الاخبار أو ما يقرب من ذلك بحيث يمكن تحقق التواتر فيه بها فلو كان اللازم لازما لمجموع الاخبار خاصة امتنع تحقق هذا القسم فما ذكره بعض المعاصرين من أن التواتر قد يتحقق بالنسبة إلى اللازم الذي هو لازم لمجموع الاخبار وإن لم يكن
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»