الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٨٠
وعدمه فيكون الألفاظ الموضوعة بإزائه حقيقة فيهم على الأول دون الثاني الثاني أن يكون في جواز استعمال لفظ الخطاب في المعدومين ولو مجازا وعدمه الثالث أن يكون في قيام الدليل على تناول ألفاظ الخطاب الواردة في لسان الشرع للمعدومين ولو على سبيل التجوز وعدمه والظاهر أن النزاع المعروف هنا إنما هو في الوجه الأول بل ربما يتعين حمل كلام المانعين عليه دون الوجه الأخيرين وإن احتملهما إطلاق منعهم لان حجتهم المعروفة لا تساعد إلا على منعه وجوابهم عن حجة المثبتين مفصح عن إرادته أما كلام المثبتين فيحتمل الوجه الثالث أيضا وعلى تقديره يرجع النزاع لفظيا و كيف كان فالكلام في المقام من جهة توجه الخطاب إلى المعدوم لا من جهة إطلاق لفظ الناس أو الذين آمنوا عليه فإن جواز إطلاق الأول عليه حقيقة والثاني مجازا حيث يتجرد عن معنى المضي ليس من موضع النزاع في شئ وإن احتمله بعض الأفاضل إذ لا يرتاب أحد في أنهما في قوله تعالى ملك الناس إله الناس وفي قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا الآية صالحان لتناول المعدومين منهم حال الخطاب بل متناولان لهم ثم النزاع كما ترى يختص بالخطاب اللفظي الشخصي كما يظهر من تحريرهم لمحل البحث ويساعد عليه ظاهر حججهم وأما الخطاب النفسي الذي يزعمه الأشاعرة فقد حكي عنهم أنهم يقولون بجواز تعلقه بالمعدومين وهو قضية قولهم بقدمه و تفصيل الكلام فيه يطلب من موضعه وأما الخطاب بالكتابة شخصيا كان أو نوعيا وبالنوع من اللفظ فلا إشكال في جواز تعلقه بالمعدومين ولو مشروطا بوجودهم واستجماعهم شرائط تعلق الخطاب بهم كما سيأتي والظاهر أنه خارج عن محل البحث ثم الخطاب بالمعنى المذكور قد يكون بلفظ دال عليه كما في المثال المذكور وقد يكون بغيره كقولك لمخاطبك زيد قائم وعمرو قاعد وتعبيرهم عن محل النزاع بما وضع لخطاب المشافهة وتمثيلهم بما مر يوجب تخصيصه بالأول والتحقيق أنهما متساويان في وجه المنع والجواز و إن افترقا على تقدير الجواز من حيث إن الأول يستلزم التجوز في لفظ الخطاب على ما سنحققه بخلاف الثاني ثم هل النزاع في خطاب المعدومين مطلقا أو عند انضمام الموجودين إليهم وجهان و منهم من نص على التفصيل كالتفتازاني حيث أجاز خطاب المعدومين بضميمة الموجودين ومنع من خطاب المعدومين خاصة والحق عندي امتناع تعلق الخطاب اللفظي الشخصي بمعناه الحقيقي بالمعدومين بل غير الحاضرين مطلقا وجواز تعلقه بهم مجازا مطلقا حيث يشتمل على فائدة فلنا في المقام إذن دعويان لنا على أوليهما أن الخطاب [ على ما يساعد عليه العرف عبارة عن توجيه شخص الكلام في الخارج إلى نحو الغير للأفهام به وهذا يستدعي] شخص الكلام إلى الغير تحقيقا والظاهر من المغايرة الحقيقة ويحتمل الأعم منها ومن الاعتبارية فيعم مخاطبة الانسان نفسه وإطلاقه على توجيهه إليه تقديرا بتنزيل المعدوم أو غير الحاضر منزلة الموجود الحاضر وعلى توجيه المدلول أعني المعاني المرادة وعلى توجيه نوع الكلام وعلى توجيه المكتوب إليه شخصا أو نوعا وعلى الأعم من قسمين منها أو من أقسام مجاز بشهادة التبادر وتبادر الغير وصحة السلب مع أولوية المجاز من الاشتراك فإذا ثبت أنه حقيقة في المعنى الأول فنقول حصول هذا المعنى يستدعي عقلا أمرين الأول مقارنة وجود الموجه إليه لوجود الكلام لامتناع وقوع التوجيه نحو المعدوم أو وقوعه بلفظ معدوم أما الأول فلان توجه شئ نحو غيره وانسباقه إليه يستدعي تميزا فيما توجه إليه بالضرورة وقد ثبت في محله أن المعدوم الخارجي لا تميز له فيه حال عدمه فيمتنع التوجه إليه لأنه عبارة عن إيجاد التوجه وإنشائه ولأن مرجع التوجه هنا إلى الابلاغ وهو مما يمتنع تحققه في الخارج بدون تحقق المبلغ إليه بالضرورة و أما الثاني فلظهور أن التوجه أمر يحصل بحصول اللفظ وينقطع بانقطاعه ولا بقاء له بعد انقضائه وهذا من الأمور البينة التي لا يعتريها أثر الارتياب فيمتنع وقوعه بلفظ معدوم فظهر أن الخطاب بمعناه الحقيقي يمتنع أن يتعلق بالمعدوم الثاني حضور الموجه إليه بمعنى كونه بحيث يبلغه شخص الكلام إذ على تقدير عدمه لا يقع التوجيه والابلاغ إلى المخاطب ولو اعتبر فيه كون التوجيه للأفهام كما يظهر من بعضهم فاعتبار الحضور أوضح إذ على تقدير عدمه لا يقع الفهم به فيمتنع من العالم به قصد الافهام به ولو اعتبرنا مع ذلك حصول الافهام به أيضا كما هو الظاهر من موارد استعماله امتنع مع عدم الحضور مطلقا من غير فرق بين العالم بالحال وغيره فظهر أن الخطاب بالمعنى الحقيقي لا يتعلق بغير الحاضر أيضا و على هذا فحيث يكون اللفظ موضوعا للخطاب يختص استعماله على الحقيقة بما إذا كان المخاطب موجودا حاضرا سواء كان الخطاب تمام معناه كالكاف الحرفية التي في ذلك وأخواتها أو جزأه كالكاف الاسمية في جئتك والتاء المفتوحة في ضربت وأخواتهما فإنها موضوعة لشخص المخاطب والخطاب باعتبار كونه آلة لتعرف حاله أو لازمه كيا وأخواتها فإن معناها طلب التوجه من المنادي المخاطب كل ذلك بدليل التبادر كما يفصح عنه التصفح في موارد إطلاقها ولنا على الثانية وجود العلاقة المصححة للاستعمال من تنزيل المعدوم وغير الحاضر منزلة الموجود الحاضر فإن توجه النفس نحو الشئ و انصرافها إليه يوجب تميز ذلك عندها أكمل تميز حتى يرى كأنه أمر محسوس حاضر فيصح منها الإشارة إليه والخطاب معه تنزيلا لذلك منزلة الامر الواقع ومنه قولك عند ذكرك لمن تكرهه وتعاديه أيها اللئيم والخبيث صنعت كذا وكذا فتناديه و تخاطبه وتسند إليه بما يليق به عندك بلفظ المشافهة من غير فرق بين المعدوم حال خطابك وغير الحاضر وهذا شائع في العرف واللغة في النظم والنثر وعلى قياسه الخطاب إلى الملفق من الحاضر و غيره بل الوجه فيه أظهر ومنه قوله تعالى فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا وكون الخطاب أمرا نسبيا إنما يستدعي وجود المخاطب وحضوره إما على الحقيقة كما في الخطاب الحقيقي أو على سبيل الفرض والتنزيل كما في الخطاب المجازي فإن ذات المخاطب متحدة في المقامين لظهور أن المخاطب بالخطاب الحقيقي هو بعينه المخاطب بالخطاب المجازي وإنما يختلف بحسب الاعتبارات اللاحقة له على كل من التقديرين فإنها في الأول واقعية و في الثاني تقديرية وعلى قياسه التعبير عنه بضمير الغيبة واسم الإشارة ونحوها وعند التحقيق إنما يتأتى التجوز في هذه
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»