الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٥٧
في المقام بين ما إذا كان الوصف المحمول معرفا وعدمه كما فعله المعترض أو بين ما إذا كان لامه للموصول وعدمه كما فعله المورد غير متجه على القاعدتين نعم يتجه على ما ذكرناه في القاعدة الأولى التفصيل بين المعهود وغيره لكن البحث هنا على تقدير عدم العهد كما عرفت ثم أقول أن الجواب المذكور يشتمل على الفرق بين الوصف المعرف إذا كان محكوما عليه وبينه إذا كان محكوما به من وجهين الأول أن مدلوله في الأول الذات الموصوفة بالتعريف وفي الثاني ذات موصوفة بالتنكير وهذا الفرق مدفوع بما ذكره التفتازاني من أن الوصف إذا كان محلى باللام كما هو محل البحث كان مدلوله في الصورتين الذات الموصوفة ولا فرق بين أن تكون موصولة أو للتعريف الثاني مدلول الوصف على تقدير أن يكون محكوما عليه معروض على تقدير أن يكون محكوما به عارض وظاهر كلام التفتازاني أن مدلول الوصف المعرف معروض وإن كان محكوما به وظاهر كلام المورد التزام ذلك فيه حيث يكون اللام للموصول وكلاهما مردود بما ذكرناه آنفا فالفرق الثاني متجه على إطلاقه نعم يرد على المجيب أن فرقه بين صورتي اتحاد الشئ مع الوصف باعتبار كونه معروضا وبين اتحاده معه باعتبار كونه عارضا بأن الأول يفيد الحصر دون الثاني تحكم صرف بل مجازفة ظاهره إذ لا مدخل لوصف المعروضية والعارضية في ذلك بل الكلام على ما تضمنه الدليل المذكور من حمل الوصف على الاستغراق و هو لا يختص بأحدهما ويرد على المستدل أولا أن الاخبار عن الجنس أعني العالم بأنه زيد بالحمل المتعارف مما لا غبار عليه لان المهملة في قوة الجزئية فكأنه قيل بعض العالم زيد وإنما يكذب بالحمل الذاتي ولو سلم فهو لا يجري في العكس لأنه إخبار عن زيد يصدق عليه فلا يتعين فيه الحد على الاستغراق وثانيا أن دعوى عدم مصيرهم إلى القول بالحصر في العكس ممنوعة كيف وقد صرح بإفادته له جماعة من علماء الأصول وأطبق عليه علماء البيان على ما هو الظاهر فالدليل المذكور إنما يصلح ردا على من فصل بين المقامين لا على ما اخترناه من القول بالاثبات المطلق ثم لا يذهب عليك أن الدليل الذي ذكره المستدل على النفي من قبل المثبتين ظاهر الوهن ويمكن معرفة ما فيه مما أوردناه على بعض الأدلة السابقة وأجيب عن الثاني بأنه إن أريد بتغيير المفهوم هذا القدر منه أعني صيرورة العارض أعني ذات موصوفة معروضا أعني الذات الموصوفة فلا نسلم بطلانه لان ذلك من لوازم العكس وإن أريد غير هذا التغيير فلا نسلم لزومه أقول قد عرفت أن مجرد الاختلاف في العارضية والمعروضية لا يكفي في إفادة الحصر فمنعه لزوم غيره فيها غير مسموع بل الوجه في الجواب منع الملازمة إن أريد التغيير في مداليل المفردات والمنع من بطلان التالي إن أريد التغيير في مفاد المركب وذلك لجواز أن يكون الواضع قد وضع الهيئة الحاصلة من التقديم والتأخير لإفادة ذلك أو يكون ذلك هي النكتة الظاهرة من صوغ الكلام على خلاف مقتضى أصله و طبعه كيف لا وقد اشتهر في العبائر والألسنة أن تقديم ما حقه التأخير لإفادة الحصر وهذه القاعدة على إطلاقها وإن لم تكن ثابتة عندنا لان فوائد التقديم لا تنحصر في الحصر ودعوى أظهريته من بينها مطلقا لا يخلو من بعد إلا أن ثبوتها في الجملة مما لا ينبغي التأمل فيه على أن الدليل المذكور على تقدير صحته إنما يقتضي نفي القول بالتفصيل وقد عرفت أن المختار عندنا هو الاثبات المطلق واعلم أن من مثبتي هذه الدلالة أعني الدلالة على الحصر الذي هو معنى زائد على إثبات المحمول للموضوع من يجعلها من باب المنطوق وليس بشئ لان عرفهم وحدودهم لا تساعد عليه تنبيهات الأول ذكر علماء المعاني أن الفصل بين المسند والمسند إليه بضمير الفصل يفيد الحصر نحو زيد هو القائم وكنت أنت الشهيد عليهم الثاني حكي عن عبد القاهر أن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي يفيد الحصر إن ولي حرف النفي نحو ما أنا ضربت زيدا قال ولهذا يمتنع ما أنا ضربت زيدا ولا غيري للتناقض والظاهر أنه يريد به الحصر الإضافي من قصر الافراد أو قصر القلب لا الحصر الحقيقي لوضوح عدم مساعدة اللفظ عليه فصل ومن المفاهيم مفهوم اللقب وهو نفي الحكم عما لم يتناوله الاسم ومفهوم العدد وهو نفي الحكم عما زاد عليه أو نقص عنه ومفهوم الزمان والمكان وهو نفي الحكم عما وقع خارجا عنهما وقد اختلفوا في إثبات هذه المفاهيم و نفيها وحيث إن النزاع في كل واحد منها دائر بين النفي الجزئي و الاثبات الكلي فالمختار عندي ما ذهب إليه النافون لنا أما إجمالا فبأنها لو دلت لكانت واحدة من الثلاث وهي ظاهرة الانتفاء بشهادة العرف وأما تفصيلا فعلى نفيه في اللقب أنه لو ثبت لكان قول القائل زيد موجود وعمرو عالم وعيسى رسول الله دالا على نفي الوجود والعلم عنه تعالى وعلى نفي الرسالة عن سائر الأنبياء فيلزم به كفر قائله وفساده ضروري وعلى نفيه في العدد أن قولنا لمن صام ثلاثة أيام من كل شهر كذا لا يدل على نفيه على تقدير الزيادة أو النقيصة وعلى نفيه في الزمان والمكان أن قولنا للمتصدق في يوم الجمعة أو في المسجد كذا من الفضل لا يدل على نفيه في يوم آخر كيوم عرفة أو مكان آخر كأحد المشاهد المشرفة احتج المثبتون لمفهوم اللقب بأن التخصيص بالذكر يستدعي مخصصا وليس إلا نفي الحكم عن غير المذكور ولو بضميمة أصالة عدمه وبأن قول القائل لست زانيا ولا أختي زانية يدل على رمي المخاطب وأخته بالزنا ومن هنا التزم بعضهم بوجوب الحد عليه والجواب أما عن الأول فبأن التخصيص بالذكر إنما يستدعي فائدة يترتب على ذكر المذكور و أما غير المذكور فيكفي في تركه عدم اشتماله على فائدة مقصودة إذ ليس اللقب قيدا زائدا في الكلام حتى يكون ذكره محوجا إلى فائدة زائدة على فائدة الكلام وأما عن الثاني فبمنع ثبوت الدلالة فيه مطلقا بل يختص بموارد التعريض وحينئذ يخرج عن محل البحث إذ الكلام في إثبات الدلالة عند التجرد عن القرائن احتج القائلون بمفهوم العدد بما رووه من قوله صلى الله عليه وآله والله لأزيدن على السبعين بعد ما نزل قوله تعالى إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم حيث فهم صلوات الله عليهم أن ما زاد على السبعين حكمه
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»