فتارة نقول بجريان العادة على عدم وقوع الأمور المذكورة منه تعالى، وهي كافية في القطع بعدم الوقوع، كما أنا نقطع بعدم انقلاب الجبل ذهبا بعد غيابنا عنه، مع إمكان انقلابه بالنظر إلى قدرة الله تعالى، وليس ذلك إلا من جهة العادة ونقول بمثله في المقام.
وتارة نقول: إن الله سبحانه يوجد العلم الضروري عقيب إظهار المعجزة بصدقه في كل ما يخبر به من الأحكام والوقائع.
وقد يزاد هناك وجهان آخران بالنسبة إلى استحالة الكذب:
أحدهما: أنه لو جاز الكذب عليه تعالى لكان صفة له تعالى فتكون قديمة، وإلا لزم اتصافه بالحوادث، وهو محال، وإذا كانت قديمة امتنع عليه الصدق، أما الملازمة فلتقابله مع الصدق فيقتضي صدق أحدهما كذب الآخر (1)، ومن المقرر أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه، وأما بطلان التالي فلقضاء الضرورة بأن من علم شيئا يمكن أن يخبر عنه على ما هو عليه.
وثانيهما: وهو الذي اعتمد عليه في المواقف في استحالة الكذب عليه إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونه صادقا في كلامه، وقد علم اخباره به من ضرورة الدين وقد دل المعجزة على صدقه في خبره. ولا يذهب عليك أن ذلك بعينه هو الوجه المتقدم من الاستناد في التصديق إلى المعجزة.
ويمكن دفع الجميع أما الأول: فبما هو بين من أن مجرد موافقة المصلحة وعدمها لا يقضي بوجوب الفعل على الله تعالى وامتناعه، إذ لا يجب عليه الإتيان بالأفعال على وفق المصالح ولا يمنع عليه خلافه، كما هو مختارهم في ذلك على ما نصوا عليه ولو قالوا فيه بالوجوب والمنع عادت المسألة إلى محل النزاع لرجوعه إذن إلى المدح والذم وقد وقع الاحتجاج بالنحو المذكور على استحالة الكذب عليه تعالى في كلام المعتزلة، وقد صرح الأشاعرة بإبطالها بمنع المقدمة المتقدمة.