تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٨
عز وجل فقال: إن في قوله تعالى: * (قل أرأيتم إن كان من عند الله) * (الأحقاف: 10) إشعارا بأن كونه من عنده سبحانه ينافي الكفر به وأنهم مسلمون ذلك لكن يطعنون في كونه من عنده عز وجل ولذا جعل نحول * (أساطير الأولين) * (الأنعام: 1) في جواب قولهم * (ماذا أنزل ربكم) * (النحل: 24) أنه إعراض عن كونه منزلا وجواب بأنه أساطير لا منزل فاريدان يبين إثبات كونه حقا من عنده تعالى على سبيل الكناية ليكون أوصل إلى الغرض ويناسب ما بني عليه الكلام من سلوك طريق الانصاف فقيل: * (سنريهم) * أي سيرى الله تعالى، والالتفات للدلالة على زيادة الاختصاص وتحقيق ثبوت الإراءة ثم قيل: * (حتى يتبين لهم أنه الحق) * أي أن الله جل جلاله هو الحق من كل وجه ذاتا وصفة وقولا وفعلا وما سواه باطل من كل وجه لا حق إلا هو سبحانه وإذا تبين لهم حقيته عز شأنه من كل وجه يلزم ثبوت القرآن وكونه من عنده تعالى بالضرورة، ثم قيل: أولم يكف بربك أي أو لم يكفك شهوده تعالى على كل شيء فمنه سبحانه تشهد كل شيء لا من آيات الآفاق والأنفس تشهده تعالى فالأول استدلال بالأثر على المؤثر والثاني من المؤثر على الأثر وهذا هو اللمي اليقيني، وفي قوله تعالى: * (برك) * مضافا إلى ضميره صلى الله عليه وسلم وإيثاره على أو لم يكف به إشعار بأنه عليه الصلاة والسلام وأتباعه من كل العارفين هم الذين يكفيهم شهوده على كل شيء دليلا وأن ذلك لهم نفس عنايته تعالى وتربيته من دون مدخل لتعلمهم فيه بخلاف الأول، ثم قيل: * (ألا أنهم في مرية من لقاء ربهم) * فلهذا لا يكفيهم أنه تعالى على كل شيء شهيد لأنه لا شهود لهم ليشدوا شهوده تعالى فهو شامل لفريقي الأبرار والكفار، أما الكفار فلأنهم في شك في الأصل، وأما الأبرار فلأنهم في شك من الشهود أي لا علم لهم به إلا إيمانا متمحضا عن التقليد.
وإطلاق المرية للتغليب ولا يخفى حسن موقعه، ثم قيل: * (ألا إنه بكل شيء محيط) * تتميما لقوله تعالى: * (أو لم يكف بربك) * لأن من أحاط بكل شيء علما وقدرة لم يتخلف شيء عن شهوده فمن شهده شهد كل شيء فهذا هو الوجه في تعميم الآيات من غير تخصيص لها بالفتوح وهو أنسب من قول الحسن. ومجاهد وأجرى على قواعد الصوفية وعلماء الأصول رحمة الله تعالى عليهم أجمعين انتهى، وقد أبعد عليه الرحمة المغزى وتكلف ما تكلف، ونقل العارف الجامي قدس سره في نفحاته عن القاشاني أن قوله تعالى: * (سنريهم) * الخ يدل على وحدة الوجود، وقد رأيت في بعض كتب القوم الاستدلال به على ذلك وجعل ضمير * (أنه الحق) * إلى المرئي وتفيسر * (الحق) * بالله عز وجل، ومن هذا ونحوه قال الشيخ الأكبر قدس سره: سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها وهذه الوحدة هي التي حارت فيها الأفهام وخرجت لعدم تحقيق أمرها رقاب من ربقة الإسلام، وللشيخ إبراهيم الجوراني قدس سره النوراني عدة رسائل في تحقيق الحق فيها وتشييد مبانيها نسأل الله تعالى أن يمن علينا بصحيح الشهود ويحفظنا بجوده عما علق بأذهان الملاحدة من وحدة الوجود، وقرىء * (إنه على كل شيء شهيد) * بكسر همزة أن على إضمار القول، وقرأ السلمي. والحسن * (في مرية) * بضم الميم وهي لغة فيها كالكسر ونحوها خفية بضم الخاء وكسرها والكسر أشهر لمناسبة الياء.
ومن كلمات القوم في الآيات: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) * (فصلت: 8) فيه إشارة إلى أن أجر المؤمن الغير العامل ممنون أي منقوص بالنسبة إلى أجر المؤمن العامل وأجر هذا العامل على الأعمال البدنية كالصلاة والحج الجنة، وعلى الأعمال القلبية كالرضا والتوكل الشوق والمحبة وصدق الطلب، وعلى الأعمال الروحانية كالتوجه إلى الله تعالى كشف الأسرار وشهود المعاني والاستئناس بالله تعالى والاستيحاش من الخلق والكرامات، وعلى أعمال الإسرار كالإعراض عن السوي بالكلية دوام التجلي * (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض) *
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»