تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٥٦
بصرية، و * (جاثية) * حال وجوز أن تكون صفة ولو كانت علمية كانت مفعولا ثانيا، وقرىء * (جاذية) * بالذال والجذو أشد استيفازا من الجثو لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه، وجوز أن يكون الجاذي بمعنى الجاثي أبدلت ثاؤه ذالا فإن الثاء والذال متقارضان كما قيل شحاث وشحاذ * (كل أمة تدعى إلى كتابها) * إلى صحيفة أعمالها التي كتبتها الحفظة لتحاسب، وأفرد على إرادة الجنس وإلا فلكل واحد من كل أمة صحيفة فيها أعماله، وقيل: المراد كتاب نبيها تدعى إليه لينظر هل عملت به أولا وحكي ذلك عن يحيى بن سلام إلا أنه حمل كل أمة على كل أمة كافرة والظاهر العموم، وقيل: المراد بذلك اللوح المحفوظ أي تدعى إلى ما سبق لها فيه، وقرأ يعقوب * (كل) * بالنصب وخرج على أنه بدل من كل الأول، وجملة * (تدعى) * صفة، وإبدال الأمة المدعوة إلى كتابها من الأمة الجاثية حسن وجاء ذلك من الوصف، ويقال مثل ذلك فيما إذا كان الجملة حالا، وإذا كانت الرؤية علمية وجملة * (تدعى) * مفعولا ثانيا فالظاهر أنه تأكيد، وجعله تأكيدا مع كون الجملة صفة فيه تخلل التأكيد بين الوصفين وهو كما في " الكشف " غير مستحسن * (اليوم تجزون ما كنتم تعملون) * مقول قول مقدر هو حال أو خبر بعد خبر.
وفي الكلام مضاف مقدر أي جزاء ما كنتم الخ أو هو من المجاز، وقوله تعالى:
* (ه‍اذا كت‍ابنا ينطق عليكم بالحق إن كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) *.
* (هذا كتابنا) * إلى آخره من تمام ما يقال حينئذ، والإشارة إلى الكتاب التي تدعي إليه الأمة المقول لها ذلك، وهو إذا كان صحيفة الأعمال فإضافته إلى ضميره جل شأنه لأدنى ملابسة على التجوز في النسبة الإضافية فإنه تعالى الذي أمر الكتبة أن يكتبوا فيه أعمالهم، وإن كان الكتاب المنزل على نبي تلك الأمة أو اللوح المحفوظ فأمر الإضافة ظاهر، وضمير العظمة على سائر الأوجه لتفخيم شأن الكتاب، وجوز أن يكون الضمير للكتبة والإضافة فيه حقيقية قيل: ويأباه * (نستنسخ) * إلا أن يجعل بمعنى ننسخ ونكتب وستعلم إن شاء الله تعالى ما فيه، واوظهر عندي حمل الكتاب في الموضعين على صحيفة الأعمال واسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبر، وقوله سبحانه: * (ينطق عليكم) * أي يشهد عليكم * (بالحق) * من غير زيادة ولا نقص خبر آخر أو حال أو مستأنف، و * (بالحق) * حال من فاعل * (ينطق) * وقوله تعالى: * (إنا كنا نستنسخ) * إلى آخره تعليل لنطقه عليهم بأعمالهم من غير إخلال بشيء منها أي إنا كنا فيما قبل نستنسخ الملائكة أي نجعلها تنسخ وتكتب * (ما كنتم تعملون) * في الدنيا من الأعمال حسنة كانت أو سيئة، وحقيقة النسخ كتابة من أصل ينظر فيه فكان أفعال العباد هي الأصل على ما في " البحر "، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله تعالى خلق النون وهي الدواة وخلق القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أو فاجر ورزق مقسوم حلال أو حرام ثم الزم كل شيء من ذلك بيانه دخوله في الدنيا متى ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف ثم جعل على العباد حفظه وعلى الكتاب خزانا فالحفظة يستنسخون كل يوم من الخوان عمل ذلك اليوم فإذا فني الرزق وانقطع الأمر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم فتقول الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا فترجع فيجدونه قد مات ثم قال ابن عباس ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون إن كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهل يكون الاستسناخ إلا من أصل؟ وفي رواية ابن المنذر. وابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن الآية فذكر نحو ما سمعت ثم قال: هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب، وكون الاستنساخ من اللوح قد رواه جماعة عنه، وما ذكرناه يصحح أن يكون هذا القول من الملائكة بدون تأويل * (نستنسخ) * بننسخ
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 » »»