تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ١٥٤
وكلام الشافعية صريح بأن ذلك مكروه لا حرام فضلا عن كونه كبيرة، والذي يتجه في ذلك تفصيل وهو أن من سبه فإن أراد به الزمن فلا كلام في الكراهة، أو الله عز وجل فلا كلام في الكفر، ومثله إذا أراد المؤثر الحقيقي فإنه ليس إلا الله سبحانه؛ وإن أطلق فهذا محل التردد لاحتمال الكفر وغيره وظاهر كلامهم هنا أيضا الكراهة لأن المتبادر منه الزمن وإطلاقه على الله تعالى كما قال بعض الأجلة إنماهو بطريق التجوز.
ومن الناس من قال: إن سبه كبيرة إن اعتقد أن له تأثيرا فيما نزل به كما كان يعتقد جهلة العرب، وفيه نظر لأن اعتقاد ذكر كفر وليس الكلام فيه، وأنكر بعضهم كون ما في حديث أبي داود. والحاكم " فإني أنا الدهر " بضم الراء وقال: لو كان كذلك كان الدهر من أسمائه تعالى وكان يرويه " فإني أنا الدهر " بفتح الراء ظرفا لأقلب أي فإني أنا أقلب الليل والنهار الدهر أي على طول الزمان وممره، وفيه أن رواية مسلم فإن الله هو الدهر تبطل ما زعمه، ومن ثم كان الجمهور على ضم الراء. ولا يلزم عليه أن يكون من أسمائه تعالى لما سبق أن ذلك على التجوز، وحكى الراغب عن بعضهم أن الدهر الثاني في حديث مسلم غير الأول وأنه مصدر بمعنى الفاعل، والمعنى أن الله تعالى هو الدهر أي المصرف المدبر المفيض لما يحدث، وفيه بعد.
وقرأ عبد الله * (إلا دهر) * وتأويله إلا دهر يمر * (وما لهم بذلك) * أي بما ذكر من قصر الحياة على ما في الدنيا ونسبة الإهلاك إلى الدهر * (من علم) * مستند إلى عقل أو نقل * (إن هم إلا يظنون) * ما هم إلا قوم قصارى أمرهم الظن والتقليد من غير أن يكون لهم ما يصح أن يتمسك به في الجملة، هذا معتقدهم الفاسد في أنفسهم.
* (وإذا تتلى عليهم ءاي‍اتنا بين‍ات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا باابآئنآ إن كنتم ص‍ادقين) *.
* (وإذا تتلى عليهم ءاياتنا) * الناطقة بالحق الذي من جملته البعث * (بينات) * واضحات الدلالة على ما نطقت به مما يخالف معتقدهم أو مبينات له * (ما كان حجتهم) * بالنصب على أنه خبر كان واسمها قوله تعالى: * (إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) * أي في أنا نبعث بعد الموت أي ما كان متمسكا لهم شيء من الأشياء إلا هذا القول الباطل الذي يستحيل أن يكون حجة، وتسميته حجة لسوقهم إياه مساق الحجة على سبيل التهكم بهم أو أنه من قبيل: تحية بينهم ضرب وجيع أي ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة، والمراد نفي أن يكون لهم حجة فإنه لا يلزم من عدم حصول الشيء حالا كإعادة آبائهم التي طلبوها في الدنيا امتناعه بعد لتمتنع الإعادة إذا قامت القيامة، والخطاب في * (ائتوا. وكنتم) * للرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين إذ هم قائلون بمقالته صلى الله عليه وسلم من البعث طالبون من الكفرة الإقرار به، وجوز أن يكون له عليه الصلاة والسلام وللأنبياء عليهم السلام الجائين بالبعث وغلب الخطاب على الغيبة.
وقال ابن عطية: * (ائتوا. وكنتم) * من حيث المخاطبة له صلى الله عليه وسلم والمراد هو وإلهه والملك الذي يذكر عليه الصلاة والسلام نزوله عليه بذلك وهو جبريل عليه السلام، وهو كما ترى.
وقرأ الحسن. وعمرو بن عبيد. وابن عامر فيما روى عنه عبد الحميد. وعاصم فيما روى هارون. وحسين عن أبي بكر عنه * (حجتهم) * بالرفع على أنه اسم كان وما بعد خبر أي ما كان حجتهم شيئا من الأشياء إلا هذا القول الباطل، وجواب * (إذا) * ما كان الخ، ولم تقترن بالفاء وإن كانت لازمة في المنفى بما إذا وقعت جواب الشرط لأنها غير جازمة ولا أصلية في الشرطية، وهو سر قول أبي حيان: إن إذا خالفت أدوات الشرط بأن جوابها إذا كان
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 » »»