تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١٨٧
دخولا أوليا فالجملة اعتراض تذييلي مقرر لما سبق ووضع الاسم الجليل موضع الضمير بطريق الالتفات لتربية المهابة وتعليل الحكم وتقوية ما في الاعتراض من الاستقلال «إن الله لا يغفر أن يشرك به» كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من الوعيد وتأكيد وجوب الامتثال بالأمر بالإيمان ببيان استحالة المغفرة بدونه فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون من التحريف ويطمعون في المغفرة كما في قوله تعالى «فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى» أي على التحريف «ويقولون سيغفر لنا» والمراد بالشرك مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود انتظاما أوليا فإن الشرع قد نص على إشراك أهل الكتاب قاطبة وقضى بخلود أصناف الكفرة في النار ونزوله في حق اليهود كما قال مقاتل وهو الأنسب بسياق النظم الكريم وسياقه لا يقتضي اختصاصه بكفرهم بل يكفي اندراجه فيه قطعا بل لا وجه له أصلا لاقتضائه جواز مغفرة ما دون كفرهم في الشدة من أنواع الكفر أي لا يغفر الكفر لمن اتصف به بلا توبة وإيمان لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحه ولأن ظلمات الكفر والمعاصي إنما يسترها نور الإيمان فمن لم يكن له إيمان لم يغفر له شيء من الكفر والمعاصي «ويغفر ما دون ذلك» عطف على خبر إن وذلك إشارة إلى الشرك وما فيه من معنى البعد مع قربه في الذكر للإيذان ببعد درجته وكونه في أقصى مراتب القبح أي ويغفر ما دونه في القبح من المعاصي صغيرة كانت أو كبيرة تفضلا من لدنه وإحسانا من غير توبة عنها لكن لا لكل أحد بل «لمن يشاء» أي لمن يشاء أن يغفر له ممن اتصف به فقط لا بما فوقه فإن مغفرتهما لمن اتصف بهما سواء في استحالة الدخول تحت المشيئة المبنية على الحكمة التشريعية فإن اختصاص مغفرة المعاصي من غير توبة بأهل الإيمان من الترغيب فيه والزجر عن الكفر ومن علق المشيئة بكلا الفعلين وجعل الموصول الأول عبارة عمن لم يتب والثاني عمن تاب فقد ضل سواء الصواب كيف لا وأن مساق النظم الكريم لإظهار كمال عظم جريمة الكفر وامتيازه عن سائر المعاصي ببيان استحالة مغفرته وجواز مغفرتها فلو كان الجواز على تقدير التوبة لم يظهر بينهما فرق للإجماع على مغفرتهما بالتوبة ولم يحصل ما هو المقصود من الزجر البليغ عن الكفر والطغيان والحمل على التوبة والإيمان «ومن يشرك بالله» إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لزيادة تقبيح الإشراك وتفظيع حال من يتصف به «فقد افترى إثما عظيما» أي افترى واختلق مرتكبا إثما لا يقادر قدره ويستحقر دونه جميع الآثام فلا تتعلق به المغفرة قطعا «ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم» تعجيب من حالهم المنافية لما هم عليه من الكفر والطغيان والمراد بهم اليهود الذين يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه وقيل ناس من اليهود جاءوا بأطفالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا هل على هؤلاء ذنب فقال صلى الله عليه وسلم لا قالوا ما نحن إلا كهيئتهم ما عملنا بالنهار كفر
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254