تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١٥٦
أو حرف جر كما سبق في تفسير قوله تعالى «ولله على الناس حج البيت» وأيا ما كان فمعنى كون التوبة عليه سبحانه صدور القبول عنه تعالى وكلمة على للدلالة على التحقيق البتة بحكم جرى العادة وبسق الوعد حتى كأنه من الواجبات عليه سبحانه وهذا مراد من قال كلمة على بمعنى من وقيل هي بمعنى عند وعن الحسن يعني التوبة التي يقبلها الله تعالى وقيل هي التوبة التي أوجب الله تعالى على نفسه بفضله قبولها وهذا يشير إلى أن قوله تعالى على الله صفة للتوبة بتقدير متعلقة معرفة على رأي من جوز حذف الموصول مع بعض صلته أي إنما التوبة الكائنة على الله والمراد بالسوء المعصية صغيرة كانت أو كبيرة وقيل الخبر على الله وقوله تعالى للذين متعلق بما تعلق به الخبر أو بمحذوف وقع حالا من الضمير المستكن في متعلق الخبر وليس فيه ما في الوجه الأول من تقديم الحال على العامل المعنوي إلا أن الذي يقتضيه المقام ويستدعيه النظام هو الأول لما أن ما قبله من وصفة تعالى بكونه توابا رحيما إنما يقتضي بيان اختصاص قبول التوبة منه تعالى بالمذكورين وذلك إنما يكون بجعل قوله تعالى للذين الخ خبرا إلا يرى إلى قوله عز وجل «وليست التوبة للذين يعملون السيئات» الخ فإنه ناطق بما قلنا كأنه قيل إنما التوبة لهؤلاء لا لهؤلاء «بجهالة» متعلق يمحذوف وقع حالا من فاعل يعملون أي يعملون السوء ملتبسين بها أي جاهلين سفهاء أو بيعملون على أن الباء سببية أي يعملونه بسبب الجهالة لأن ارتكاب الذنب مما يدعو إليه الجهل وليس المراد به عدم العلم بكونه سوءا بل عدم التفكر في العاقبة كما يفعله الجاهل قال قتادة اجتمع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شئ عصى به ربه فهو جهالة عمدا كان أو خطأ وعن مجاهد من عصى الله تعالى فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته وقال الزجاج يعنى بقوله بجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية «ثم يتوبون من قريب» أي من زمان قريب وهو ما قبل حضور الموت كما ينبى عنه ما سيأتي من قوله تعالى حتى إذا حضر أحدهم الموت الخ فإنه صريح في أن وقت الاختصار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة فبقى ما وراءه في حيز القبول وعن ابن عباس رضى الله عنهما قبل أن ينزل به سلطان الموت وعن الضحاك كل توبة قبل الموت فهو قريب وعن إبراهيم النخعي ما لم يؤخذ بكظمه وهو مجرى النفس وروى أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر وعن عطاء ولو قبل موته بفواق ناقة وعن الحسن أن إبليس قال حين أهبط إلى الأرض وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده فقال تعالى وعزتي لا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر ومن تبعيضية أي يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضور الموت زمانا قريبا ففي أي جزء تاب من أجزاء هذا الزمان فهو تائب «فأولئك» إشارة إلى المذكورين من حيث اتصافهم بما ذكر وما فيه من معنى البعد باعتبار كونهم بانقضاء ذكرهم في حكم البعيد والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب وهو مبتدأ خبره قوله تعالى «يتوب الله عليهم» وما فيه من تكرير الإسناد لتقوية الحكم وهذا وعد بقبول توبتهم إثر بيان أن التوبة لهم والفاء للدلالة على سببيتها للقبول «وكان الله عليما حكيما» مبالغا في العلم والحكمة فيبنى أحكامه وأفعاله على أساس الحكمة والمصلحة والجملة اعتراضية مقررة لمضمون ما قبلها وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار للإشعار بعلة الحكم فإن الألوهية منشأ لاتصافه تعالى بصفات الكمال
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254