تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٧٣
تقدير نصبها على الوجوه المذكورة وما موصولة أو موصوفة صلتها الظرف وأما على تقدير رفعها فهو عطف على ما الأولى على تقدير كونها موصولة أو موصوفة واما على تقدير كونها استفهامية فهو عطف على خبرها اعني بعوضة لا على نفسها كما قيل والمعنى ما بعوضة فالذي فوقها أو فشئ فوقها حتى لا يضرب بها المثل وكذا على تقدير كونها صفة للنكرة أو زائدة وبعوضة خبر للمضمر وذكر البعوضة فما فوقها من بين افراد المثل إنما هو بطريق التمثيل دون التعيين والتخصيص فلا يخل بالشيوع بل يقرره ويؤكده بطريق الأولوية والمراد بالفوقية إما الزيادة في المعنى الذي أريد بالتمثيل اعني الصغر والحقارة وإما الزيادة في الحجم والجثة لكن لا بالغا ما بلغ بل في الجملة كالذباب والعنكبوت وعلى التقدير الأول يجوز ان يكون ما الثانية خاصة استفهامية إنكارية والمعنى ان الله لا يستحيى ان يضرب مثلا ما بعوضة فأي شئ فوقها في الصغر والحقارة فإذن له تعالى ان يمثل بكل ما يريد ونظيره في احتمال الأمرين ما روى ان رجلا بمنى خر على طنب فسطاط فقالت عائشة رضي الله عنها حين ذكر لها ذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها الا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة فإنه يحتمل ما يجاوز الشوكة في القلة كنخبة النملة بقوله عليه السلام ما أصاب المؤمن من مكروه فهو كفارة لخطاياه حتى نخبة النملة وما تجاوزها من الألم كأمثال ما حكى من الحرور «فأما الذين آمنوا» شروع في تفصيل ما يترتب على ضرب المثل من الحكم اثر تحقيق حقية صدوره عنه تعالى والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما يدل عليه ما قبلها كأنه قيل فيضربه فأما الذين الخ وتقديم بيان حال المؤمنين على ما حكى من الكفرة مما لا يفتقر إلى بيان السبب وفي تصدير الجملتين بأما من إحماد امر المؤمنين وذم الكفرة مالا يخفى وهو حرف متضمن لمعنى اسم الشرط وفعله بمنزلة مهما يكن من شئ ولذلك يجاب بالفاء وفائدته توكيد ما صدر به وتفصيل ما في نفس المتكلم من الاقسام فقد تذكر جميعا وقد يقتصر على واحد منها كما في قوله عز وجل من قائل «فأما الذين في قلوبهم زيغ» الخ قال سيبويه أما زيد فذاهب معناه مهما يكن من شئ فهو ذاهب لا محالة وانه منه عزيمة وكان الأصل دخول الفاء على الجملة لأنها الجزاء لكن كرهوا إيلاءها حرف الشرط فأدخلوها الخبر وعوض المبتدأ عن الشرط لفظا والمراد بالموصول فريق المؤمنين المعهودين كما ان المراد بالموصول الآتي فريق الكفرة لا من يؤمن بضرب المثل ومن يكفر به لاختلال المعنى أي فأما المؤمنون «فيعلمون أنه الحق من ربهم» كسائر ما ورد منه تعالى والحق هو الثابت الذي يحق ثبوته لا محالة بحيث لا سبيل للعقل إلى إنكاره لا الثابت مطلقا واللام للدلالة على أنه مشهود له بالحقية وأن له حكما ومصالح ومن لابتداء الغاية المجازية وعاملها محذوف وقع حالا من الضمير المستكن في الحق أو من الضمير العائد إلى المثل أو إلى ضربه أي كائنا وصادرا من ربهم والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لتشريفهم وللإيذان بأن ضرب المثل تربية لهم وإرشاد إلى ما يوصلهم إلى كمالهم اللائق بهم والجملة سادة مسد مفعولى يعلمون عند الجمهور ومسد مفعوله الأول والثاني محذوف عند الأخفش أي فيعلمون حقيته ثابتة ولعل الاكتفاء بحكاية علمهم المذكور عن حكاية اعترافهم بموجبة كما في قوله تعالى «والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا» للإشعار بقوة ما بينهما من التلازم وظهوره المغنى عن الذكر «وأما الذين كفروا» ممن حكيت
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271