تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٧٥
ذلك أقيلة أهل الهدى بالنسبة إلى أهل الضلال حسبما نطق به قوله تعالى «وقليل من عبادي الشكور» ونحو ذلك واعتبار كثرتهم الذاتية دون قلتهم الإضافة لتكميل فائدة ضرب المثل وتكثيرها ويجوز أن يراد في الأولين الكثرة من حيث العدد وفي الآخرين من حيث الفضل والشرف كما في قول من قال * إن الكرام كثير في البلاد * وأن قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا * وإسناد الإضلال أي خلق الضلال إليه سبحانه مبني على أن جميع الشياء مخلوقة له تعالى وإن كان أفعال العباد من حيث الكسب مستندة إليهم وجعله من قبيل إسناد الفعل إلى سببه يأباه التصريح بالسبب وقرئ يضل به كثير ويهدي به كثير على البناء للمفعول وتكرير به مع جواز الاكتفاء بالأول لزيادة تقرير السببية وتأكيدها «وما يضل به» أي بالمثل أو بضربه «إلا الفاسقين» عطف على ما قبله وتكملة للجواب والرد وزيادة تعيين لمن أريد إضلالهم ببيان صفاتهم القبيحة المستتبعة له وإشارة إلى أن ذلك ليس إضلالا ابتدائيا بل هو تثبيت على ما كانوا عليه من فنون الضلال وزيادة فيه وقرئ وما يضل به إلا الفاسقون على البناء للمفعول والفسق في اللغة الخروج يقال فسقت الرطبة عن قشرها والفأرة من جحرها أي خرجت قال رؤية * يذهبن في نجد وغورا غائرا * فواسقا عن قصدها جوائرا * وفي الشريعة الخروج عن طاعة الله عز وجل بارتكاب الكبيرة التي من جملتها الإصرار على الصغيرة وله طبقات ثلاث الأولى التغابي وهو ارتكابها أحيانا مستقبحا لها والثانية الانهماك في تعاطيها والثالثة المثابرة عليها مع جحود قبحها وهذه الطبقة من مراتب الكفر فما لم يبلغها الفاسق لا يسلب عنه اسم المؤمن لاتصافه بالتصديق الذي عليه يدور الايمان ولقوله تعالى «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا» والمعتزلة لما ذهبوا إلى أن الايمان عبارة عن مجموعة تصديق والإقرار والعمل والكفر عن تكذيب الحق وجحوده ولم يتسن لهم ادخال الفاسق في أحدهما فجعلوه قسما بين قسمي المؤمن والكافر لمشاركة كل واحد منهما في بعض أحكامه والمراد بالفاسقين ههنا العاتون الماردون في الكفر الخارجون عن حدوده ممن حكى عنهم ما حكى من انكار كلام الله تعالى والاستهزاء به وتخصيص الاضلال بهم مترتبا على صفة الفسق وما أجرى عليهم من القبائح للإيذان بأن ذلك هو الذي أعدهم للإضلال وأدى بهم إلى الضلال فإن كفرهم وعدولهم عن الحق وإصرارهم على الباطل صرفت وجوه أنظارهم عن التدبر في حكمة المثل إلى حقارة الممثل به حتى رسخت به جهالتهم وازدادت ضلالتهم فأنكروه وقالوا فيه ما قالوا «الذين ينقضون عهد الله» صفة للفاسقين للذم وتقرير ما هم عليه من الفسق والنقض فسخ التركيب من المركبات الحسية كالحبل والغزل ونحوهما واستعماله في ابطال العهد من حيث استعارة الحبل له لما فيه من ارتباط أحد كلامي المتعاهدين بالآخر فإن شفع بالحبل وأريد به العهد كان ترشيحا للمجاز وإن قرن بالعهد كان رمزا إلى ما هو من روادفه وتنبيها على مكانه وإن المذكور قد استعير له كما يقال شجاع يفترس أقرانه
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271