تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٦٩
جنة إذا ستره تطلق على النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه قال زهير * كأن عيني في غربى مقتله * من النواضح تسقى جنة سحقا * أي نخلا طوالا كأنها لفرط تكاثفها والتفافها وتغطيتها لما تحتها بالمرة نفس السترة وعلى الأرض ذات الشجر قال الفراء الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم فحق المصدر حينئذ أن يكون مأخوذا من الفعل المبني للمفعول وإنما سميت دار الثواب بها مع أن فيها مالا يوصف من الغرفات والقصور لما أنها مناط نعيمها ومعظم ملاذها وجمعها مع التنكير لأنها سبع على ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما جنة الفردوس وجنة عدن وجنة النعيم ودار الخلد وجنة المأوى ودار السلام وعليون وفي كل واحد منها مراتب ودرجات متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وأصحابها «تجري من تحتها الأنهار» في حيز النصب على انه صفة جنات فإن أريد بها الأشجار فجريان الأنهار من تحتها ظاهر وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها فلا بد من تقدير مضاف أي من تحت أشجارها وإن أريد بها مجموع الأرض والأشجار فاعتبار التحتية بالنظر إلى الجزء الظاهر المصحح لإطلاق اسم الجنة على الكل عن مسروق إن أنهار الجنة تجرى في غير أخدود واللام في الأنهار للجنس كما في قولك لفلان بستان فيه الماء الجاري والتين والعنب أو عوض عن المضاف إليه كما في قوله تعالى «واشتعل الرأس شيبا» أو للعهد والإشارة إلى ما ذكر في قوله عز وعلا «أنهار من ماء غير آسن» الآية والنهر بفتح الهاء وسكونها المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر كالنيل والفرات والتركيب للسعة والمراد بها ماؤها على الإضمار أو على المجاز اللغوي أو المجاري أنفسها وقد اسند إليها الجريان مجازا عقليا كما في سال الميزاب «كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل» صفة أخرى لجنات أخرت عن الأولى لأن جريان الأنهار من تحتها وصف لها باعتبار ذاتها وهذا وصف لها باعتبار أهلها المتنعمين بها أو خبر مبتدأ محذوف أو جملة مستأنفة كأنه حين وصفت الجنات بما ذكر من الصفة وقع في ذهن السامع أثمارها كثمار جنات الدنيا أولا فبين حالها وكلما نصب على الظرفية ورزقا مفعول به ومن الأولى والثانية للابتداء واقعتان موقع الحال كأنه قيل كل وقت رزقوا مرزوقا مبتدأ من الجنات مبتدأ من ثمرة على ان الرزق مقيد بكونه مبتدأ من الجنات وابتداؤه منها مقيد بكونه مبتدأ من ثمرة فصاحب الحال الأولى رزقا وصاحب الثانية ضميره المستكن في الحال ويجوز كون من ثمرة بيانا قدم على المبين كما في قولك رأيت منك أسدا وهذا إشارة إلى ما رزقوا وإن وقعت على فرد معين منه كقولك مشيرا إلى نهر جار هذا الماء لا ينقطع فإنك إن أشرت إلى ما تعاينه بحسب الظاهر لكنك أنما تعني بذلك النوع المعلوم المستمر فالمعنى هذا مثل الذي رزقناه من قبل أي من قبل هذا في الدنيا ولكن لما استحكم الشبه بينهما جعل ذاته ذاته وإنما جعل ثمر الجنة كثمار الدنيا لتميل النفس إليه حين تراه فإن الطباع مائلة إلى المألوف متنفره عن غير معروف وليتبين لها مزيته وكنه النعمة فيه إذ لو كان جنسا غير معهود لظن أنه لا يكون إلا كذلك أو مثل الذي رزقناه من قبل في الجنة لأن طعامها متشابه الصور كما يحكى عن الحسن رضي الله عنه إن أحدهم يؤتى الصحفة فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيراها مثل الأولى فيقول ذلك فيقول الملك كل فاللون واحد والطعم مختلف أو كما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده إن الرجل من أهل الجنة ليتناول الثمرة ليأكلها فما هي واصلة إلى فيه حتى يبدل
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271