تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٦٦
اعتماد ولا إلى تقدير يشهدون أي ادعوا شهداءكم الذين يشهدون لكم بين يدي الله تعالى ليعينوكم في المعارضة وإيرادها بهذا العنوان لما مر من الإشعار بمناط الاستعانة بها ووجه الالتفات تربية المهابة وترشيح ذلك المعنى فإن ما يقوم بهذا الأمر في ذلك المقام الخطير حقه أن يستعان له في كل مرام وفي أمرهم على الوجهين بأن يستظهروا في معارضة القرآن الذي أخرس كل منطيق بالجماد من التهكم بهم مالا يوصف وكلمة من ههنا تبعيضية لما أنهم يقولون جلس بين يديه وخلفه بمعنى في لأنهما طرفان للفعل ومن بين يديه ومن خلفه لأن الفعل إنما يقع في بعض تينك الجهتين كما تقول جئته من الليل تريد بعض الليل وقد يقال كلمة من الداخلة على دون في جميع المواقع بمعنى في كما في سائر الظروف التي لا تتصرف وتكون منصوبة على الظرفية أبدا ولا تنجر إلا بمن خاصة وقيل المراد بالشهداء مداره لقوم ووجوه المحافل والمحاضر ودون ظرف مستقر ومن ابتدائية أي ادعوا الذين يشهدون لكم أن ما أتيتم به مثله متجاوزين في ذلك أولياء الله ومحصلة شهداء مغايرين لهم إيذانا بأنهم أيضا لا يشهدون بذلك وإنما قدر المضاف إلى الله تعالى رعاية للمقابلة فإن أولياء الله تعالى يقابلون أولياء الأصنام كما أن ذكر الله تعالى يقابل ذكر الأصنام بهذا الأمر إرخاء العنان والاستدراج إلى غاية التبكيت كأنه قيل تركنا إلزامكم بشهداء لا ميل لهم إلى أحد الجانبين كما هو المعتاد واكتفينا بشهدائكم المعروفين بالذب عنكم فإنهم أيضا لا يشهدون لكم حذرا من اللائمة وأنفة من الشهادة البينة البطلان كيف لا وأمر الإعجاز قد بلغ من الظهور إلى حيث لم يبق إلى إنكاره سبيل قطعا وفيه ما مر من عدم الملاءمة لابتداء التحدي وعدم تناوله لأولئك الشهداء وإبهام أنهم تعرضوا لمعارضة وأتوا بشئ احتاجوا في إثبات مثليته للمتحدى به إلى الشهادة وشتان بينهم وبين ذلك «إن كنتم صادقين» أي في زعمكم أنه من كلامه عليه السلام وهو شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق عليه أي إن كنتم صادقين فأتوا بسورة من مثله الخ واستلزام المقدم للتالي من حيث أن صدقهم في ذلك الزعم يستدعى قدرتهم على الإتيان بمثله بقضية مشاركتهم له عليه السلام في البشرية والعربية مع ما بهم من طول الممارسة للخطب والأشعار وكثرة المزاولة لأساليب النظم والنثر والمبالغة في حفظ الوقائع والأيام لا سيما عند المظاهرة والتعاون ولا ريب في أن القدرة على الشئ من موجبات الإتيان به ودواعي الأمر به «فإن لم تفعلوا» أي ما أمرتم به من الإتيان بالمثل بعد ما بذلتم في السعي غاية المجهود وجاوزتم في الحد كل حد معهود متشبثين بالذيول راكبين متن كل صعب وذلول وإنما لم يصرح به إيذانا بعدم الحاجة إليه بناء على كمال ظهور تهالكهم على ذلك وإنما أورد في حيز الشرط مطلق لفعل وجعل مصدر الفعل المأمور به مفعولا له للإيجاز البديع المغنى عن التطويل والتكرير مع سر سري استقل به المقام وهو الإيذان بالمقصود بالتكليف هو أيقاع نفس الفعل المأمور به لإظهار عجزهم عنه لا لتحصيل المفعول أي المأتى به ضرورة استحالته وأن مناط الجواب في الشرطية اعني الأمر باتقاء النار هو عجزهم عن إيقاعه لا فوت حصول المفعول فإن مدلول لفظ
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271