تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٦٠
الوابل والمراد بالضعف المثل وقيل أربعة أمثال ونصبه على الحال من أكلها أي مضاعفا «فإن لم يصبها وابل فطل» أي فطل يكفيها لجودتها وكرم منبتها ولطافة هوائها وقيل فيصيبها طل وهو المطر الصغير القطر وقيل فالذي يصيبها طل والمعنى أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا تضيع بحال وان كانت تتفاوت باعتبار ما يقارنها من الأحوال ويجوز أن يعتبر التمثيل بين حالهم باعتبار ما صدر عنهم من النفقة الكثيرة والقليلة وبين الجنة المعهودة باعتبار ما أصابها من المطر الكثير واليسير فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكلها فكذلك نفقتهم جلت أو قلت بعد أن يطلب بها وجه الله تعالى زاكية زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عند الله «والله بما تعملون بصير» لا يخفى عليه شئ منه وهو ترغيب في الإخلاص مع تحذير من الرياء ونحوه «أيود أحدكم» الود حب الشئ مع تمنيه ولذلك يستعمل استعمالها والهمزة لإنكار الوقوع كما في قوله أأضرب أبي لا لإنكار الواقع كما في قولك أتضرب أباك على ان مناط الإنكار ليس جميع ما تعلق به الود بل إنما هو إصابة الإعصار وما يتبعها من الاحتراق «أن تكون له جنة» وقرئ جنات «من نخيل وأعناب» أي كائنة منهما على أن يكون الأصل والركن فيها هذين الجنسين الشريفين الجامعين لفنون المنافع والباقي من المستتبعات لا على أن يكون فيها غيرهما كما ستعرفه والجنة تطلق على الأشجار الملتفة المتكاثفة قال زهير * كأن عيني في غربي مفتلة * من النواضح تسفى جنة سحقا * وعلى الأرض المشتملة عليها والأول هو الأنسب بقوله عز وجل تجرى من تحتها الأنهار إذ على الثاني لا بد من تقدير مضاف أي من تحت وشجارها وكذا لابد من جعل إسناد الاحتراق إليها فيما سيأتي مجازيا والجملة في محل الرفع على أنها صفة جنة كما أن قوله تعالى من نخيل وأعناب كذلك أو في محل النصب على أنها حال منها لأنها موصوفة «له فيها من كل الثمرات» الظرف الأول خبر والثاني حال والثالث مبتدأ أي صفة للمبتدأ قائمة مقامه أي له رزق من كل الثمرات كما في قوله تعالى وما منا إلا له مقام معلوم أي وما منا أحد إلا له الخ وليس المراد بالثمرات العموم بل إنما هو التكثير كما في قوله تعالى وأوتيت من كل شئ «وأصابه الكبر» أي كبر السن الذي هو مظنة شدة الحاجة إلى منافعها ومئنة كمال العجز عن تدارك أسباب المعايش والواو حالية أي وقد أصابه الكبر «وله ذرية ضعفاء» حال من الضمير في أصابة أي أصابة الكبر والحال أن له ذرية صغار لا يقدرون على الكسب وترتيب مبادى المعاش وقرئ ضعاف «فأصابها إعصار» أي ريح عاصفة تستدير في الأرض ثم تنعكس منها ساطعة إلى السماء على هيئة العمود «فيه نار» شديدة «فاحترقت» عطف على فأصابها وهذا كما ترى تمثيل لحال من يعمل أعمال البر والحسنات ويضم إليها ما يحبطها من القوادح ثم يجدها يوم القيامة عند كمال حاجته إلى ثوابها هباء منثورا في التحسر
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271