تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٢٩
«وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن» بيان لحكم ما كانوا يفعلونه عند بلوغ الأجل حقيقة بعد بيان حكم ما كانوا يفعلونه عند المشارفة إليه والعضل الحبس والتضييق ومنه عضلت الدجاجة إذا نشب بيضها ولم يخرج والمراد المنع والخطاب إما للأولياء لما روى أنها نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته جملا أن ترجع إلى زوجها الأول بالنكاح وقيل نزلت في جابر بن عبد الله حين عضل ابنة عم له وإسناد التطليق إليهم لتسببهم فيه كما ينبى عنه تصديهم للعضل ولعل التعرض لبلوغ الأجل مع جواز التزوج بالزوج الأول قبله أيضا لوقوع العضل المذكور حينئذ وليس فيه دلالة على أن ليس للمرأة أن تزوج نفسها والا لما احتيج إلى نهى الأولياء عن العضل لما أن النهى لدفع الضرر عنهن فإنهن وإن قدرن على تزويج أنفسهن لكنهن يحترزن عن ذلك مخافة اللوم والقطيعة وإما للأزواج حيث كانوا يعضلون مطلقاتهم ولا يدعونهن يتزوجن ظلما وقسرا لحمية الجاهلية وإما للناس كافة فإن اسناد ما فعله واحد منهم إلى الجميع شائع مستفيض والمعنى إذا وجد فيكم طلاق فلا يقع فيما بينكم عضل سواء كان ذلك من قبل الأولياء أو من جهة الأزواج أو من غيرهم وفيه تهويل لأمر العضل وتحذير منه وإيذان بان وقوع ذلك بين ظهرانهم وهم ساكتون عنه بمنزلة صدوره عن الكل في استتباع اللائمة وسراية الغائلة «أن ينكحن» أي من أن ينكحن فمحله النصب عند سيبويه والفراء والجر عند الخليل على الخلاف المشهور وقيل هو بدل اشتمال من الضمير المنصوب في تعضلوهن وفيه دلالة على صحة النكاح بعبارتهن «أزواجهن» إن أريد بهم المطلقون فالزوجية إما باعتبار ما كان وإما باعتبار ما يكون والا فبالاعتبار الأخير «إذا تراضوا» ظرف للا تعضلوا وصيغة التذكير باعتبار تغليب الخطاب على النساء والتقييد به لأنه المعتاد لا لتجويز المنع قبل تمام التراضي وقيل ظرف لأن ينكحن وقوله تعالى «بينهم» ظرف للتراضي مفيد لرسوخه واستحكامه «بالمعروف» الجميل عند الشرع المستحسن عند الناس والباء اما متعلقة بمحذوف وقع حالا من فاعل تراضوا أو نعتا لمصدر محذوف أي تراضيا كائنا بالمعروف واما بتراضوا أي يتراضوا بما يحسن في الدين والمروءة وفيه إشعار بأن المنع من التزوج بغير كفؤ أو بما دون مهر المثل ليس من باب العضل «ذلك» إشارة إلى ما فصل من الأحكام وما فيه من معنى البعد لتعظيم المشار اليه والخطاب لجميع المكلفين كما فيما بعده والتوحيد اما باعتبار كل واحد منهم واما بتأويل القبيل والفريق واما لأن الكاف لمجرد الخطاب والفرق بين الحاضر والمنقضى دون تعيين المخاطبين أو للرسول صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء للدلالة على أن حقيقة المشار اليه أمر لا يكاد يعرفه كل أحد «يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر» فيسارع إلى الامتثال بأوامر ونواهيه إجلالا له وخوفا من عقابه وقوله تعالى
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271