تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٠٢
" وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان» أي التوراة الجامعة بين كونها كتابا وحجة تفرق بين الحق والباطل وقيل أريد بالفرقان معجزاته الفارقة بين المحق والمبطل في الدعوى أو بين الكفر والإيمان وقيل الشرع الفارق بين الحلال والحرام أو النصر الذي فرق بينه وبين عدوه كقوله تعالى يوم الفرقان يريد به يوم بدر «لعلكم تهتدون» لكي تهتدوا بالتدبر فيه والعمل بما يحويه «وإذ قال موسى لقومه» بيان لكيفية وقوع العفو المذكور «يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل» أي معبودا «فتوبوا» أي فاعزموا على التوبة «إلى بارئكم» أي إلى من خلقكم بريئا من العيوب والنقصان والتفاوت وميز بعضكم من بعض بصور وهيئات مختلفة واصل التركيب الخلوص عن الغير اما بطريق التفصي كما في برئ المريض أو بطريق الإنشاء كما في برأ الله آدم من الطين والتعرض لعنوان البارئية للإشعار بأنهم بلغوا من الجهالة أقصاها ومن الغواية منتهاها حيث تركوا عبادة العليم الحكيم الذي خلقهم بلطيف حكمته بريئا من التفاوت والتنافر إلى عبادة البقر الذي هو مثل في الغباوة وأن من لم بعرف حقوق منعمه حقيق بأن تسترد هي منه ولذلك أمروا بالقتل وفك التركيب «فاقتلوا أنفسكم» تماما لتوبتكم بالبخع أو بقطع الشهوات وقيل أمروا أن يقتل بعضهم بعضا وقيل أمر من لم يعبد العجل بقتل من عبده يروى أن الرجل كان يرى قريبه فلم يقدر على المضي لأمر الله تعالى فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون بها فأخذوا يقتلون من الغداة إلى العشى حتى دعا موسى وهارون عليهما السلام فكشفت السحابة ونزلت التوبة وكانت القتلى سبعين ألفا والفاء الأولى للتسبيب والثانية للتعقيب «ذلكم» إشارة إلى ما ذكر من التوب والقتل «خير لكم عند بارئكم» لما أنه طهرة عن الشرك ووصلة إلى الحياة الأبدية والبهجة السرمدية «فتاب عليكم» عطف على محذوف على أنه خطاب منه سبحانه على نهج الالتفات من التكلم الذي يقتضيه سباق النظم الكريم وسياقه فإن مبنى الجميع على التكلم إلى الغيبة ليكون ذريعة إلى إسناد الفعل إلى ضمير بارئكم المستتبع للإيذان بعلية عنوان البارئية والخلق والإحياء لقبول التوبة التي هي عبارة عن العفو عن القتل تقديره فعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم بارئكم وإنما لم يقل فتاب عليهم على أن الضمير للقوم لما أن ذلك نعمة أريد التذكير بها للمخاطبين لا لأسلافهم هذا وقد جوز أن يكون فتاب عليكم متعلقا بمحذوف على أنه من كلام موسى عليه السلام لقومه تقديره إن فعلتم ما أمرتم به فقد تاب عليكم ولا يخفى أنه بمعزل من اللياقة بجلالة شأن التنزيل كيف لا وهو حينئذ حكاية لوعد موسى عليه السلام قومه بقبول التوبة منه تعالى لا لقبوله تعالى حتما وقد عرفت أن الآية الكريمة تفصيل لكيفية القبول المحكى فيما قبل وأن المراد تذكير المخاطبين بتلك النعمة «إنه هو التواب الرحيم» تعليل
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271