تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١١٣
من افعال المقاربة وضع لدنو الخبر من الحصول والجملة حال من ضمير ذبحوا أي فذبحوها والحال انهم كانوا قبل ذلك بمعزل منه أو اعتراض تذييلي ومآله استثقال استعصائهم واستبطاء لهم وانهم لفرط تطويلهم وكثرة مراجعاتهم ما كاد ينتهي خيط إسهابهم فيها قيل مضى من أول الامر إلى الامتثال أربعون سنة وقيل وما كادوا يفعلون ذلك لغلاء ثمنها روى انه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له عجلة فأني بها الغيضة وقال اللهم اني استودعتكها لا بني حتى يكبر وكان برا بوالديه فتوفي الشيخ وشبت العجلة فكانت من أحسن البقر وأسمنها فساوموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا لما كانت وحيدة بالصفات المذكورة وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير واعلم انه لا خلاف في ان مدلول ظاهر النظم الكريم بقرة مطلقة مبهمة وأن الامتثال في آخر الأمر إنما وقع بذبح بقرة معينة حتى لو ذبحوا غيرها ما خرجوا عن عهدة الأمر لكن اختلف في أن المراد المأمور به اثر ذي أثير هل هي المعينة وقد أخر البيان عن وقت الخطاب أو المبهمة ثم لحقها التغيير إلى المعينة بسبب تثاقلهم في الامتثال وتماديهم في التعمق والاستكشاف فذهب بعضهم إلى الأول تمسكا بأن الضمائر في الأجوبة اعني انها بقرة إلى آخر للمعينة قطعا ومن قضيته ان يكون في السؤال أيضا كذلك ولا ريب في ان السؤال إنما هو عن البقرة المأمور بذبحها فتكون هي المعينة وهو مدفوع بأنهم لما تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا ظنوها معينة خارجه عما عليه الجنس من الصفات والخواص فسألوا عنها فرجعت الضمائر إلى المعينة في زعمهم واعتقادهم فعينها الله تعالى تشديدا عليهم وإن لم يكن المراد من أول الامر هي المعينة والحق انها كانت في أول الامر مبهمة بحيث لو ذبحوا أية بقرة كانت لحصل الامتثال بدلالة ظاهر النظم الكريم وتكرير الأمر قبل بيان اللون وما بعده من كونها مسلمة الخ وقد قال صلى الله عليه وسلم لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم وروى مثله عن رئيس المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم رجع الحكم الأول منسوخا بالثاني والثاني بالثالث تشديدا عليهم لكن لا على وجه ارتفاع حكم المطلق بالكلية وانتقاله إلى المعين بل على طريقة تقييده وتخصصه به شيئا فشيئا كيف لا ولو لم يكن كذلك لما عدت مراجعاتهم المحكية من قبيل الجنايات بل من قبيل العبادة فإن الامتثال بالأمر بدون الوقوف على المأمور به مما لا يكاد يتسنى فتكون سؤالاتهم من باب الاهتمام بالامتثال «وإذ قتلتم نفسا» منصوب بمضمر كما مرت نظائره والخطاب لليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناد القتل والتدارؤ إليهم لما مر من نسبة جنايات الاسلاف إلى الأخلاف توبيخا وتقريعا وتخصيصهما بالإسناد دون ما مر من هناتهم لظهور قبح القتل وإسناده إلى الغير أي اذكروا وقت قتلكم نفسا محرمة «فادارأتم فيها» أي تخاصمتم في شأنها إذ كل واحد من الخصماء يدافع الآخر أو تدافعتم بأن طرح كل واحد قتلها إلى آخر وأصله ئدارأتم فأدغمت التاء في الدال واجتلبت لها همزة الوصل «والله مخرج ما كنتم تكتمون» أي مظهر لما تكتمونه لا محالة والجمع
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271