الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٦
واستغفري لذنبك يقول لا تعودي لذنبك وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا والشغاف جلدة على القلب يقال لها لسان القلب يقول دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب فلما سمعت بمكرهن يقول بقولهن أرسلت إليهن واعتدت لهن متكأ يتكئن عليه وآتت كل واحدة منهن سكينا وأترجا تأكله وقالت ليوسف اخرج عليهن فلما خرج ورأى النسوة يوسف أعظمنه وجعلن يحززن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج ويقلن حاشا لله ما هذا بشر ان هذا الا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم بعد ما كان حل سراويله ثم لا أدري ما بدا له قال يوسف رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه من الزنا ثم إن المرأة قالت لزوجها ان العبد العبراني قد فضحني في الناس انه يعتذر إليهم ويخبرهم انى راودته عن نفسه ولست أطيق ان اعتذر بعذري فاما ان تأذن لي فاخرج فاعتذر كما يعتذر واما ان تحبسه كما حبستني فذلك قوله ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات وهو شق القميص وقطع الأيدي ليسجننه حتى حين ودخل معه السجن فتيان غضب الملك على خبازه انه يريد ان يسمه فحبسه وحبس الساقي وظن أنه مالأه على السم فلما دخل يوسف عليه السلام السجن قال انى اعتبر الأحلام قال أحد الفتيين هلم فلنجرب هذا العبد العبراني فترائيا من غير أن يكونا رأيا شيئا ولكنهما خرصا فعبر لهما يوسف خرصهما فقال الساقي رأيتني أعصر خمرا وقال الخباز رأيتني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه قال يوسف عليه السلام لا يأتيكما طعام ترزقانه في النوم الا نبأتكما بتأويله في اليقظة ثم قال يا صاحبي السجن اما أحدكما فيسقى ربه خمرا فيعاد على مكانه واما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ففزعا وقالا والله ما رأينا شيئا قال يوسف عليه السلام قضى الامر الذي فيه تستفتيان ان هذا كائن لابد منه وقال يوسف عليه السلام للساقي اذكرني عند ربك ثم إن الله أرى الملك رؤيا في منامه هالته فرأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر يأكلهن سبع يابسات فجمع السحرة والكهنة والعافة وهم القافة والحاذة وهم الذين يزجرون الطير فقصها عليهم فقالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين وقال الذي نجا منهما واذكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فارسلون قال ابن عباس رضي الله عنهما لم يكن السجن في المدينة فانطلق الساقي إلى يوسف عليه السلام فقال أفتنا في سبع بقرات إلى قوله لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون تأويلها قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله قال هو أبقى له الا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن الا قليلا مما تحصنون قال مما ترفعون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون قال العنب فلما أتى الملك الرسول وأخبره قال ائتوني به فلما جاءه الرسول فأمره ان يخرج إلى الملك أبى يوسف وقال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن قال السدى قال ابن عباس رضي الله عنهما لو خرج يوسف يومئذ قبل ان يعلم الملك بشأنه ما زالت في نفس العزيز منه حاجة يقول هذا الذي راود امرأته قال الملك أئتوني بهن قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ولكن امرأة العزيز أخبرتنا انها راودته عن نفسه ودخل معها البيت وحل سراويله ثم شده بعد ذلك ولا تدرى ما بدا له فقالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق قال تبين انا راودته عن نفسه قال يوسف وقد جئ به ذلك ليعلم العزيز انى لم أخنه بالغيب في أهله وان الله لا يهدى كيد الخائنين فقالت امرأة العزيز يا يوسف ولا حين حللت السراويل قال يوسف عليه السلام وما أبرئ نفسي فلما وجد الملك له عذرا قال ائتوني به استخلصه لنفسي فاستعمله على مصر فكان صاحب أمرها هو الذي يلي البيع والامر فأصاب الأرض الجوع وأصاب بلاد يعقوب التي كان فيها فبعث بنيه إلى مصر وأمسك بنيامين أخا يوسف فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون فلما نظر إليهم أخذهم وأدخلهم الدار دار الملك وقال لهم أخبروني ما أمركم فإني أنكر شأنكم قالوا نحن من أرض الشام قال فما جاءكم قالوا نمتار طعاما قال كذبتم أنتم عيون كم أنتم قالوا نحن عشرة قال أنتم عشرة آلاف كل رجل منكم أمير ألف فأخبروني خبركم قالوا انا إخوة بنو رجل صديق وانا كنا اثنى عشر فكان يحب أخا لنا وانه ذهب معنا إلى البرية فهلك منا وكان أحبنا إلى أبينا قال فإلى من يسكن أبوكم بعده قالوا إلى أخ له أصغر منه قال كيف تحدثوني ان أباكم صديق وهو يحب الصغير منكم دون الكبير ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه فان لم
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست