الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٥
ان أبانا لفي ضلال مبين قالوا في ضلال من أمرنا اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين يقول تتوبون مما صنعتم به قال قائل منهم وهو يهوذا الا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين فلما اجمعوا أمرهم على ذلك أتوا أباهم فقالوا له يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف قال لن أرسله معكم انى أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا إذا لخاسرون فأرسله معهم فأخرجوه وبه عليه كرامة فلما برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة فجعل يضربه أحدهم فيستغيث بالآخر فيضربه به فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء فلما كادوا يقتلونه قال يهوذا أليس قد أعطيتموني موثقا ان لا تقتلوه فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في الجب فقالوا له ادع الاحد عشر كوكبا والشمس والقمر يؤنسونك قال فإني لم أر شيئا فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة ان يموت فكان في البئر ماء فسقط فيه فلم يضره ثم أوى إلى صخرة في البئر فقام عليها فجعل يبكى فناداه إخوته فظن أنها رقة أدركتهم فأجابهم فأرادوا ان يرضخوه بصخرة فقام يهوذا فمنعهم وقال قد أعطيتموني موثقا ان لا تقتلوه فكان يهودا يأتيه بالطعام ثم انهم رجعوا إلى أبيهم فأخذوا جديا من الغنم فذبحوه ونضحوا دمه على القميص ثم أقبلوا إلى أبيهم عشاء يبكون فلما سمع أصواتهم فزع وقال يا بنى مالكم هل أصابكم في غنمكم شئ قالوا لا قال فما فعل يوسف قالوا يا أبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا يعنى بمصدق لنا ولو كنا صادقين فبكى الشيخ وصاح بأعلى صوته ثم قال أين القميص ثم جاؤوا بقميصه وعليه دم كذب فاخذ القميص وطرحه على وجهه ثم بكى حتى خضب وجهه من دم القميص ثم قال إن هذا الذئب يا بنى لرحيم فكيف اكل لحمه ولم يخرق قميصه وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه فتعلق يوسف عليه السلام بالحبل فخرج فلما رآه صاحب الدلو دعا رجلا من أصحابه يقال له بشراي فقال يا بشراي هذا غلام فسمع به إخوة يوسف عليه السلام فجاؤوا فقالوا هذا عبد لنا آبق ورطنوا له بلسانهم فقالوا لئن أنكرت انك عبد لنا لنقتلنك أترانا نرجع بك إلى يعقوب عليه السلام وقد أخبرناه ان الذئب قد أكلك قال يا إخوتاه ارجعوا بي إلى أبى يعقوب فانا اضمن لكم رضاه ولا أذكر لكم هذا أبدا فأبوا فقال الغلام انا عبد لهم فلما اشتراه الرجلان فرقا من الرفقة ان يقولا اشتريناه فيسألونهما الشركة فيه فقالا نقول ان سألونا ما هذا نقول هذه بضاعة استبضعناها على البئر فذلك قوله وأسروه بضاعة وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانت عشرين درهما وكانوا في يوسف من الزاهدين فانطلقوا به إلى مصر فاشتراه العزيز ملك مصر فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته أكرمي مثواه عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا فأحبته امرأته فقالت له يا يوسف ما أحسن شعرك قال هو أول ما يتناثر من جسدي قالت يا يوسف ما أحسن عينيك قال هما أول ما يسيلان إلى الأرض من جسدي قالت يا يوسف ما أحسن وجهك قال هو للتراب يأكله قالت وهيت لك قال هم لك وهي بالقبطية قال معاذ الله انه ربى قال سيدي أحسن مثواي فلا أخونه في أهله فلم تزل به حتى أطمعها فهمت به وهم بها فدخلا البيت وغلقت الأبواب فذهب ليحل سراويله فإذا هو بصورت يعقوب عليه السلام قائما في البيت قد عض على أصبعه يقول يا يوسف لا تواقعها فإنما مثلك مثل الطير في جو السماء لا يطاق ومثلك إذا وقعت عليها مثله إذا مات فوقع على الأرض لا يستطيع ان يدفع عن نفسه ومثلك مثل الثور الصغب الذي لم يعمل عليه ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات فدخل الماء في أصل قرنيه لا يستطيع ان يدفع عن نفسه فربط سراويله وذهب ليخرج فأدركته فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته حتى أخرجته منه وسقط وطرحه يوسف واشتد نحو الباب وألفيا سيدها جالسا عند الباب هو وابن عم المرأة فلما رأته المرأة قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوأ الا ان يسجن أو عذاب اليم انه راودني عن نفسي فدفعته عنى فشققت قميصه فقال يوسف لا بل هي راودتني عن نفسي فأبيت وفررت منها فأدركتني فأخذت بقميصي فشقته على فقال ابن عمها في القميص تبيان الامر انظروا ان كان القميص قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما أتى بالقميص وجده قد قد من دبر فقال إنه من كيدكن ان كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست