الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٣ - الصفحة ٩٤
الآية قال هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن * وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها بقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى انما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به * قوله تعالى (ولقد أرسلنا نوحا) الآية * أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أول نبي أرسل نوح * وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم وابن عساكر عن يزيد الرقاشي قال انما سمى نوح عليه السلام نوحا لطول ما ناح على نفسه * وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال انما سمى نوحا لأنه كان ينوح على نفسه * وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن مقاتل وجويبر ان آدم حين كبر ورق عظمه قال يا رب إلى متى أكدوا سعى قال يا آدم حتى يولد لك ولد مختون فولد له نوح بعد عشرة أبطن وهو يومئذ ابن ألف سنة الا ستين عاما فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس وهو أخنوخ بن يرد بن مهلاييل ابن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وكان اسم نوح السكن وانما سمى نوح السكن لان الناس بعد آدم سكنوا إليه فهو أبوهم وانما سمى نوحا لأنه ناح على قومه ألف سنة الا خمسين عاما يدعوهم إلى الله فإذا كفروا بكى وناح عليهم * وأخرج ابن عساكر عن وهب قال كان بين نوح وآدم عشرة آباء وكان بين إبراهيم ونوح عشرة آباء * وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق * وأخرج ابن عساكر عن نوف الشامي قال خمسة من الأنبياء من العرب محمد ونوح وهود وصالح وشعيب عليهم الصلاة والسلام * وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس ان نوحا بعث في الألف الثاني وان آدم لم يمت حتى ولد له نوح في آخر الألف الأول وكان قد فشت فيهم المعاصي وكثرت الجبابرة وعتوا عتوا كبيرا وكان نوح يدعوهم ليلا ونهارا سرا وعلانية صبورا حليما ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقى نوح فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه ويضرب في المجالس ويطرد وكان لا يدع على ما يصنع به ان يدعوهم ويقول يا رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون فكان لا يزيدهم ذلك الا فرارا منه حتى أنه ليكلم الرجل منهم فيلف رأسه بثوبه ويجعل أصابعه في أذنيه لكيلا يسمع شيئا من كلامه فذلك قول الله جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم ثم قاموا من المجلس فأسرعوا المشي وقالوا امضوا فإنه كذاب واشتد عليه البلاء وكان ينتظر القرن بعد القرن والجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن الا وهو أخبث من الأول وأعتى من الأول ويقول الرجل منهم قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا فلم يزل هكذا مجنونا وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده احذروا هذا المجنون فإنه قد حدثني آبائي ان هلاك الناس على يدي هذا فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم حتى أن كان الرجل ليحمل ولده على عاتقه ثم يقف به وعليه فيقول يا بنى ان عشت ومت انا فاحذر هذا الشيخ فلما طال ذلك به وبهم قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين * وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة ان نوحا بعث من الجزيرة وهودا من أرض الشحر ارض مهرة وصالحا من الحجر ولوطا من سدوم وشعيبا من مدين ومات إبراهيم وآدم وإسحاق ويوسف بأرض فلسطين وقتل يحيى بن زكريا بدمشق * وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال كانوا يضربون نوحا حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون * وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم وابن عساكر من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير قال إن كان نوح ليضربه قومه حتى يغمى عليه ثم يفيق فيقول اهد قومي فإنهم لا يعلمون وقال شقيق قال عبد الله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يحكى نبيا من الأنبياء وهو يقول اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون * وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبيد بن عمير الليثي نحوه * وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال كان قوم نوح يخنقونه حتى تترقى عيناه فإذا تركوه قال اللهم اغفر لقومي فإنهم جهلة * وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن ماجة عن ابن مسعود قال كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكى نبيا من الأنبياء قد ضربه قومه
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست