تفسير النسفي - النسفي - ج ١ - الصفحة ٢٠
البقرة (14 _ 16)) منه الآية الأولى في بيان مذهب المنافقين والترجمة عن نف وهذه في بيان ما كانوا يعملون مع المؤمنين من الاستهزاء بهم ولقائهم بوجوه المصادقين وايهامهم أنهم معهم * (وإذا خلوا إلى شياطينهم) * خلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه وبالى أبلغ لأن فيه دلالة الابتداء والانتهاء أي إذا خلوا من المؤمنين إلى شياطينهم ويجوز أن يكون من خلا بمعنى وشياطينهم الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم وهم اليهود وعن سيبويه أن نون الشياطين أصلية بدليل قولهم تشيطن وعنه أنها زائدة واشتقاقه من شطن إذا بعد لبعده من الصلاح والخبر أو من شاط إذا بطل ومن أسمائه الباطل * (قالوا إنا معكم) * إنا مصاحبوكم وموافقوكم على دينكم و إنما خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وشياطينهم بالاسمية محققة بأن لأنهم في خطابهم مع المؤمنين في ادعاء حدوث الإيمان منهم لا في ادعاء أنهم أو حديون في الإيمان إما لأن أنفسهم لا تساعدهم عليه إذ ليس لهم من عقائدهم باعث ومحرك واما لأنه لا يروج عنهم لو قالوه على لفظ التأكيد والمبالغة وكيف يطعمون في رواجه وهم بين ظهراني المهاجرين والأنصار و اما خطابهم مع إخوانهم فقد كان عن رغبة وقد كان متقبلا منهم رائجا عنهم فكان مظنة للتحقيق ومئنة للتأكيد وقوله * (إنما نحن مستهزؤون) * تأكيد لقوله إنا معكم لأن معناه الثبات على اليهودية وقوله إنما نحن مستهزئون رد للاسلام ودفع له منهم لأن المستهزئ بالشئ المستخف به منكر له ودافع لكونه معتدا به ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته أو استئناف كأنهم اعترضوا عليهم بقولهم حين قالوا لهم إنا معكم إن كنتم معنا فلم توافقون المؤمنين فقالوا إنما نحن مستهزئون والاستهزاء السخرية والاستخفاف وأصل الباب الخفة من الهزء وهو القتل السريع وهزأ يهزأ مات على المكان * (الله يستهزئ بهم) * أي يجازيهم على استهزائهم فسمى جزاء الاستهزاء باسمه كقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه فسمى جزاء السيئة سيئة وجزاء الاعتداء اعتدوا وإن لم يكن الجزاء سيئة واعتداء وهذا لأن الاستهزاء لا يجوز على الله تعالى من حيث الحقيقة لأنه من باب العبث وتعالى عنه قال الزجاج هو الوجه المختار واستئناف قوله الله يستهزئ بهم من غير عطف في غاية الجزالة والفخامة وفيه أن الله تعالى هو الذي يستهزئ بهم الاستهزاء الأبلغ الذي ليس استهزاؤهم إليه باستهزاء لما ينزل بهم من النكال والذل والهوان ولما كانت نكايات الله وبلاياه تنزل عليهم ساعة فساعة قيل الله يستهزئ بهم ولم يقل الله مستهزئ بهم ليكون طبقا لقوله إنما نحن مستهزئون * (ويمدهم) * أي يمهلهم عن الزجاج * (في طغيانهم) * في غلوهم في كفرهم * (يعمهون) * حال أي يتحيرون ويترددون وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح * (أولئك) * مبتدأ خبره * (الذين اشتروا الضلالة بالهدى) * أي استبدلوها به واختاروها
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»