قال: أراد كعب بن مالك أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه وقال: (إنها لا تحصنك) قال: فظاهر النهي يقتضي الفساد. فيقال: إن هذا حديث مقطوع من هذا الطريق ولا يجوز الاعتراض بمثله على ظاهر القرآن في إيجاب نسخه ولا تخصيصه، وإن ثبت فجائز أن يكون على وجه الكراهية، كما روي عن عمر من كراهته لحذيفة تزويج اليهودية لا على وجه التحريم، ويدل عليه قوله: (إنها لا تحصنك) ونفي التحصين غير موجب لفساد النكاح، لأن الصغيرة لا تحصنه وكذلك الأمة ويجوز نكاحهما.
وقد اختلف في تزوج الكتابية الحربية، فحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال:
حدثنا جعفر ابن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: (لا تحل نساء أهل الكتاب إذا كانوا حربا) قال: وتلا هذه الآية: (وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) إلى قوله (وهم صاغرون) [التوبة: 29] قال الحكم: فحدثت به إبراهيم فأعجبه. قال أبو بكر: يجوز أن يكون ابن عباس رأى ذلك على وجه الكراهية، وأصحابنا يكرهونه من غير تحريم، وقد روي عن علي أنه كره نساء أهل الحرب من أهل الكتاب. وقوله تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] لم يفرق فيه بين الحربيات والذميات، وغير جائز تخصيصه بغير دلالة. وقوله تعالى:
(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) [التوبة: 29] لا تعلق له بجواز النكاح ولا فساده، ولو كان وجوب القتال علة لفساد النكاح لوجب أن لا يجوز نكاح نساء الخوارج وأهل البغي لقوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) [الحجرات: 9]، فبان بما وصفنا أنه لا تأثير لوجوب القتال في إفساد النكاح، وأن ما كرهه أصحابنا لقوله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) [المجادلة: 22]، والنكاح يوجب المودة لقوله تعالى: (وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم: 21] فلما أخبر أن النكاح سبب المودة والرحمة ونهانا عن موادة أهل الحرب، كرهوا ذلك. وقوله (يوادون من حاد الله ورسوله) [المجادلة: 22] إنما هو في أهل الحرب دون أهل الذمة، لأنه لفظ مشتق من كونهم فيحد ونحن في حد، وكذلك المشاقة وهو أن يكونوا في شق ونحن في شق، وهذه صفة أهل الحرب دون أهل الذمة فلذلك كرهوه. ومن جهة أخرى وهو أن ولده ينشأ في دار الحرب على أخلاق أهلها، وذلك منهي عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم بين ظهراني المشركين) وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم مع مشرك).