مدح أبي العباس السفاح واختلاف مذاهب الخوارج وغيرهم يسمى اليتيمة، قال أبو تمام:
وكثير بعد عزة يوم بين ينسب * وابن المقفع في اليتيمة يسهب وإذا كان اليتيم اسما للانفراد كان شاملا لمن فقد أحد أبويه صغيرا أو كبيرا، إلا أن الإطلاق إنما يتناول ما ذكرنا من فقد الأب في حال الصغر. حدثنا جعفر بن محمد قال:
حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية ابن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله عز وجل:
(ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير) قال: إن الله تعالى لما أنزل: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) [النساء: 10] كره المسلمون أن يضموا اليتامى إليهم وتحرجوا أن يخالطوهم وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، فأنزل الله: (ويسألونك عن اليتامى) إلى قوله (ولو شاء الله لأعنتكم)، قال: لو شاء الله لأخرجكم وضيق عليكم، ولكنه وسع ويسر فقال: (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) [النساء: 6]. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة)، ويروى ذلك موقوفا على عمر. وعن عمر وعائشة وابن عمر وشريح وجماعة من التابعين: (دفع مال اليتيم مضاربة والتجارة به).
وقد حوت هذه الآية ضروبا من الأحكام، أحدها قوله: (قل إصلاح لهم خير) فيه الدلالة على جواز خلط ماله بماله، وجواز التصرف فيه بالبيع والشرى إذا كان ذلك صلاحا، وجواز دفعه مضاربة إلى غيره، وجواز أن يعمل ولي اليتيم مضاربة أيضا. وفيه الدلالة على جواز الاجتهاد في أحكام الحوادث، لأن الإصلاح الذي تضمنته الآية إنما يعلم من طريق الاجتهاد وغالب الظن، ويدل على أن لولي اليتيم أن يشتري من ماله لنفسه إذا كان خيرا لليتيم وذلك بأن ما يأخذه اليتيم أكثر قيمة مما يخرج عن ملكه، وهو قول أبي حنيفة: ويبيع أيضا من مال نفسه لليتيم لأن ذلك من الإصلاح له. ويدل أيضا على أن له تزويج اليتيم إذا كان ذلك من الإصلاح، وذلك عندنا فيمن كان ذا نسب منه دون الوصي الذي لا نسب بينه وبينه، لأن الوصية نفسها لا يستحق بها الولاية في التزويج، ولكنه قد اقتضى ظاهره أن للقاضي أن يزوجه ويتصرف في ماله على وجه الإصلاح. ويدل على أن له أن يعلمه ما له فيه صلاح من أمر الدين والأدب ويستأجر له على ذلك وأن يؤاجره ممن يعلمه الصناعات والتجارات ونحوها، لأن جميع ذلك قد يقع على وجه الإصلاح، ولذلك قال أصحابنا: (إن كل من كان اليتيم في حجره من ذوي