تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ١ - الصفحة ٣٣٣
نفسي) *، يعني ما كان مني وما يكون، * (ولا اعلم ما في نفسك) *، يقول: ولا أطلع على غيبك، وقال أيضا، ولا أعلم ما في علمك، ما كان منك وما يكون، * (إنك أنت علام الغيوب) *، [آية: 116]، يعني غيب ما كان وغيب ما يكون.
* (ما قلت لهم) * وأنت تعلم، * (إلا ما أمرتني به) * (في الدنيا) * (أن اعبدوا الله) *، يعني وحدوا الله، * (ربي وربكم) *، قال لهم عيسى صلى الله عليه وسلم ذلك في هذه السورة، وفي كهيعص، وفي الزخرف، * (وكنت عليهم شهيدا) *، يعني على بني إسرائيل بأن قد بلغتهم الرسالة، * (ما دمت فيهم) *، يقول: ما كنت بين أظهرهم، * (فلما توفيتني) *، يقول: فلما بلغ بي أجل الموت فمت، * (كنت أنت الرقيب عليهم) *، يعني الحفيظ، * (وأنت على كل شيء شهيد) * [آية: 117]، يعني شاهدا بما أمرتهم من التوحيد، وشهيد عليهم بما قالوا من البهتان، وإنما قال الله عز وجل: * (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم) *، ولم يقل: وإذ يقول: يا عيسى ابن مريم؛ لأنه قال سبحانه قبل ذكر عيسى يوم يجمع الله الرسل، فيقول: ماذا أجبتم؟ قالوا: يومئذ، وهو يوم القيامة، حين يفرغ من مخاصمة الرسل، فينادى: أين عيسى ابن مريم، فيقوم عيسى صلى الله عليه وسلم شفق، فرق، يرعد رعدة حتى يقف بين يدي الله عز وجل، يا عيسى: * (أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله) *.
وكما قال سبحانه: * (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) * [الأعراف: 43]، فلما دخلوا الجنة، قال: * (ونادى أصحاب النار) * [الأعراف:
50]، فنسق بالماضي على الماضي، والمعنى مستقبل، ولو لم يذكر الجنة قبل بدئهم بالكلام الأول لقال في الكلام الأول: * (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) * [الأعراف: 44]، وكل شيء في القرآن على هذا النحو.
ثم قال عيسى صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل في الآخرة: يا رب، غبت عنهم وتركتهم على الحق الذي أمرتني به، فلم أدر ما أحدثوا بعدى، ف * (إن تعذبهم) * فتميتهم على ما قالوا من البهتان والكفر، * (فإنهم عبادك) *، وأنت خلقتهم، * (وإن تغفر لهم) *، فتتوب عليهم وتهديهم إلى الإيمان والمغفرة بعد الهداية إلى الإيمان، * (فإنك أنت العزيز الحكيم) * [آية: 118] في ملكك، الحكيم في أمرك، وفي قراءة ابن مسعود: ' فإنك أنت الغفور الرحيم '، نظيرها في سورة إبراهيم، عليه السلام، في مخاطبة إبراهيم: * (ومن عصاني فإنك غفور رحيم) * [إبراهيم: 36]، وهي كذلك أيضا في قراءة عبد الله بن مسعود.
(٣٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 ... » »»