تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ١ - الصفحة ٢٩١
يعني بالنعمة، * (إذ جعل فيكم) * السبعين الذي جعلهم الله * (أنبياء) * بعد موسى وهارون، وبعدما أتاهم الله بالصاعقة، * (وجعلكم ملوكا) *، يعني أغنياء، بعضكم عن بعض، فلا يدخل عليه أحد إلا بإذنه بمنزلة الملوك في الدنيا، ثم قال: * (وآتاكم) *، يعني وأعطاكم، * (ما لم يؤت) *، يعني ما لم يعط * (أحدا من العالمين) * [آية: 20]، يعني الخير والتوراة، وما أعطاكم الله عز وجل في التيه من المن والسلوى، وما ظلل عليهم من الغمام وأشباه ذلك مما فضلوا به على غيرهم.
فقال موسى: * (يا قوم) * بني إسرائيل، * (ادخلوا الأرض المقدسة) *، يعني المطهرة * (التي كتب الله لكم) *، يعني التي أمركم الله عز وجل أن تدخلوها وهي أريحا أرض الأردن وفلسطين، وهما من الأرض المقدسة، * (ولا ترتدوا على أدباركم) *، يعني ولا ترجعوا ورائكم بترككم الدخول، * (فتنقلبوا خاسرين) * [آية: 21]، يعني فترجعوا خاسرين.
وذلك أن الله عز وجل قال لإبراهيم، عليه السلام، وهو بالأرض المقدسة: إن هذه الأرض التي أنت بها اليوم هي ميراث لولدك من بعدك، فلما أخرج الله عز وجل موسى، عليه السلام، من مصر مع بني إسرائيل، وقطعوا البحر، وأعطوا التوراة، أمرهم موسى أن يدخلوا الأرض المقدسة، فساروا حتى نزلوا على نهر الأردن في جبل أريحا، وكان في أريحا ألف قرية، في كل قرية ألف بستان، وجبنوا أن يدخلوها، فبعث موسى، عليه السلام، اثنى عشر رجلا، من كل سبط رجلا، يأتونه بخبر الجبارين، وأمرهم أن يأتوه منها بالثمرة.
فلما أتوها خرج إليهم عوج بن عناق بنت آدم، فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم بين يدي الملك بن بانوس سشرون، فنظر إليهم، فأمر بقتلهم، فقالت امرأته:
أيها الملك، أنعم على هؤلاء المساكين، فدعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقا غير الذي جاءوا فبه، فأرسلهم لها، فأخوا عنقودا من كرومهم، وحملوه على عمودين بين رجلين، وعجزوا عن حمله، وحملوا رمانتين على بعض دوابهم، فعجزت الدابة عن حملهما حتى أتوا به أصحابهم وهم بواد يقال له: جبلان، فسموا ذلك المنزل وادى العنقود؟
* (قالوا يا موسى) * وجدناها أرضا مباركة تفيض لبنا وعسلا كما عهد الله عز وجل إليك، ولكن * (إن فيها قوما جبارين) *، يعني قتالين أشداء يقتل الرجل منهم العصابة منا،
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»