تفسير شبر - السيد عبد الله شبر - الصفحة ٢٦
كونوا عبادا ل من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون 74 ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " ولا يخفى أن قوله تعالى ولا يأمركم معطوف على يقول المعطوف بثم على المنفى بقوله تعالى ما كان أي ليس له وإن " لا " هنا نافية يؤتى بها لتثبيت النفي في الأمرين مثلها في قوله ليس لك أن تقوم ولا أن تأكل لئلا يتوهم ان النفي للجمع بين الأمرين والجمع بين القيام والأكل كما قال في الكشاف في ثاني وجهيه في الآية.
وقال في الكشاف ان في الآية وجهين أحدهما أن نجعل " لا " مزيدة والمعنى ثم يأمر الناس بأن يكون عبادا له وبأمركم ان تتخذوا النبيين، والثاني ان نجعل " لا " نافية غير مزيدة والمعنى ما كان لبشر يستنبئه الله ان يأمر الناس بعبادته وينهاكم عن عادة الملائكة أي ما كان له أن يجمع بين الأمر والنهى. ويا للعجب ممن سوغ لنفسه في مثل بلاغة القرآن المجيد أن يفسر " لا يأمركم " بقوله ينهاكم ولو فسر بذلك كلام واحد من الناس لأوسعه من الملام ما أوسعه - ولم ينفرد الزمخشري بدعوى زيادة " لا " في هذه الموارد بل ادعى ذلك جماعة من المفسرين والنحويين كما ذكر ابن هشام في المغنى في كلمة " لا " ولو أن زيادة " لا " محققة في كلام العرب متداولة في شعرهم ونثرهم لما ساغ لهؤلاء أن يقولوا بذلك في مثل بلاغة القرآن الكريم ومجدها وفي خصوص الموارد التي ادعوا فيها الزيادة فان البلاغة بل استقامة الكلام تقتضى تثبيت اثباتها ورفع أوهام النفي عنها لو كانت مثبتة، إذن فكيف يقلق مضمونها الشريف بما يوهم النفي ويشوش الكلام. وان المخبر الذي يعرف كيف يتكلم لا يدخل على خبره ما يوهم نقيضه هذا مع إني لم أجد شاهدا ذكروه من الكلام على الزيادة " لا " إلا قوله:
(وتلحينني في اللهو أن لا أحبه * وللهو داع دائب غير غافل) ولو كان هذا من شعر العرب وكان المراد منه ما فهموه لجاز أن يضمر فيه وتأمرينني بأن لا أحبه أو وتدعينني إلى أن لا أحبه. ومن غرائبهم استشهاد بعضهم أيضا بقول الشاعر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به * نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله نعم لم يوافقهم الزمخشري على زعمهم لزيادة (لا) في قوله تعالى في سورة الأنعام " 109 وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون " وقوله تعالى فيها " 152 قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا ". ومن شواهد ذلك أنك سمعت كلام الكشاف في دخول لا النافية على القسم واستفاضته في كلامهم واشعارهم وما ذكره من الشواهد في الشعر ومع ذلك قال في تفسير سورة النساء في قوله تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك " معناه فو ربك كقوله تعالى " فو ربك لنسألنهم " و " لا " مزيدة لتأكيد مضى القسم كما زيدت في لئلا يعلم لتوكيد وجوب العلم انتهى.. فانظر فيه واعتبر وقل أين ما ذكرته من الاستفاضة وأين معنى الاستشهاد بالشعر. ولولا الحمل على التحامل لذكرنا عن الكشاف وغيره أكثر من ذلك وفي ذلك كفاية لأولى الألباب - ومن ذلك ما نقله السيد الرضى في حقائق التأويل من قول بعضهم بزيادة الواو في قوله تعالى في سورة آل عمران " 85 ولو افتدى به " وإبراهيم " 52 ولينذروا به " والزمر " 73 وفتحت أبوابها " أقول ولمثل هذه الواو في القرآن موارد وهى فيها كلها واو العطف على المحذوف يدل عليه سياق القرآن بكرامة نهجه وبراعة أسلوبه في مناحي البلاغة تو يجلوه المقام بإشراق تلك البراعة بأجل المظاهر كما سيأتي التنبيه عليه في موارده إن شاء الله. ومن شواهد ذلك مما جناه القصور أن جماعة وقفوا عن الوصول في بعض ما في القرآن الكريم من فرائد البراعة، وفوائد البلاغة حتى صار يلوح من ترددهم ان ذلك مخالف لقواعد العربية فاغتنم أعداء القرآن من ذلك فرصة الاعتراض وقد ساعد التوفيق على التعرض لتلك الاعتراضات وبيان خطئها بإيضاح براعة القرآن الكريم في مواردها باسرار البلاغة ولباب الأدب العربي وبواهر أساليبه وقد كتب شئ من ذلك في الجزء الأول من كتاب الهدى وفي خصوص المقدمة الثالثة عشرة من صفحة 321 حتى آخره. ومن شواهد ذلك أن كثيرا من مجازات
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»