تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٥
وتوطئة وتمهيدا لقوله: (واليه المصير) ويكون مفاد الجملتين أن الله هو مبدؤنا لأنه ربنا جميعا واليه منتهانا لأنه إليه المصير فلا موجد لما بيننا إلا هو عز اسمه.
وكان مقتضى الظاهر في التعليل أن يقال: (الله ربي وربكم لي عملي ولكم أعمالكم لا حجة بيني وبينكم على محاذاة قوله: (آمنت) (وأمرت لأعدل) لكن عدل عن المتكلم وحده إلى المتكلم مع الغير لدلالة قوله لسابق: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) الخ، وقوله: (الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) أن هناك قوما يؤمنون بما آمن به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويلبون دعوته ويتبعون شريعته.
فالمراد بالمتكلم مع الغير في (ربنا) و (لنا أعمالنا) و (بيننا) هو صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون به، وبالمخاطبين في قوله: (وربكم) و (أعمالكم) و (بينكم) سائر الناس من أهل الكتاب والمشركين، والآية على وزان قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن الا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران: 64.
قوله تعالى: (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد) الحجة هي القول الذي يقصد به إثبات شئ أو إبطاله من الحج بمعنى القصد، والدحض البطلان والزوال.
والمعنى: - على ما قيل - والذين يحاجون في الله أي يحتجون على نفي ربوبيته أو على إبطال دينه من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا في دينه لظهور الحجة ووضوح المحجة حجتهم باطلة زائلة عند ربهم وعليهم غضب منه تعالى ولهم عذاب شديد.
والظاهر أن المراد بالاستجابة له ما هو حق الاستجابة وهو التلقي بالقبول عن علم لا يداخله شك تضطر إليه الفطرة الانسانية السليمة فإن الدين بما فيه من المعارف فطري تصدقه وتستجيب له الفطرة الحية قال تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله) الانعام: 36، وقال: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) الشمس: 8، وقال: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) الروم: 30.
ومحصل الآية: على هذا أن الذين يحاجون فيه تعالى أو في دينه بعد استجابة
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست