تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٥٠
قوله تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم) أي إنهم في جنة الخلد أحياء بحياة أبدية لا يعتريها موت.
وقد استشكل في الآية بأن استثناء الموتة الأولى من قوله: (لا يذوقون فيها الموت) يفيد أنهم يذوقون الموتة الأولى فيها، والمراد خلافه قطعا، وبتقرير آخر الموتة الأولى هي موتة الدنيا وقد مضت بالنسبة إلى أهل الجنة، والتلبس في المستقبل بأمر ماض محال قطعا فما معنى استثناء الموتة الأولى من عدم الذوق في المستقبل؟
وهنا إشكال آخر لم يتعرضوا له وهو أنه قد تقدم في قوله تعالى: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) المؤمن: 11، أن بين الحياة الدنيا والساعة موتتين: موتة بالانتقال من الدنيا إلى البرزخ وموتة بالانتقال من البرزخ إلى الآخرة، والظاهر أن المراد بالموتة الأولى في الآية هي موتة الدنيا الناقلة للانسان إلى البرزخ فهب أنا أصلحنا استثناء الموتة الأولى بوجه فما بال الموتة الثانية لم تستثن؟ وما الفرق بينهما وهما موتتان ذاقوهما قبل الدخول في جنة الخلد؟
وأجيب عن الاشكال الأول بأن الاستثناء منقطع، والمعنى: لكنهم قد ذاقوا الموتة الأولى في الدنيا وقد مضت فعموم قوله: (لا يذوقون فيها الموت) على حاله.
وعلى تقدير عدم كون الاستثناء منقطعا (إلا) بمعنى سوى و (إلا الموتة الأولى) بدل من (الموت) وليس من الاستثناء في شئ، والمعنى: لا يذوقون فيها سوى الموتة الأولى من الموت أما الموتة الأولى فقد ذاقوها ومحال أن تعود وتذاق وهي أولى.
وأجيب ببعض وجوه أخر لا يعبأ به، وأنت خبير بأن شيئا من الوجهين لا يوجه اتصاف الموتة بالأولى وقد تقدم في تفسير قوله: (إن هي إلا موتتنا الأولى) الآية، وجوه في ذلك.
وأما الاشكال الثاني فيمكن أن يجاب عنه بالجواب الثاني المتقدم لما أن هناك موتتين الموتة الأولى وهي الناقلة للانسان من الدنيا إلى البرزخ والموتة الثانية وهي الناقلة له من البرزخ إلى الآخرة فإذا كان (إلا) في قوله: (إلا الموتة الأولى) بمعنى سوى والمجموع بدلا من الموت كانت الآية مسوقة لنفي غير الموتة الأولى وهي الموتة الثانية التي هي موتة البرزخ فلا موت في جنة الآخرة لا موتة الدنيا لأنها تحققت لهم قبلا ولا غير موتة الدنيا التي هي موتة البرزخ، ويتبين بهذا وجه تقييد الموتة بالأولى.
(١٥٠)
مفاتيح البحث: الموت (5)، البول (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست