الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٤
بربهم يعدلون) قال (الفرق بين الجعل والخلق أن الخلق فيه معنى التقدير الخ) قال أحمد: وقد وردت جعل وخلق موردا واحدا فورد - وخلق منها زوجها - وورد: وجعل منها زوجها، وذلك ظاهر في الترادف، إلا أن للخاطر ميلا إلى الفرق الذي أبداه الزمخشري، ويؤيده أن جعل لم يصحب السماوات والأرض وإنما لزمتهما خلق، وفي إضافة الخلق في هذه الآية إلى السماوات والأرض والجعل إلى الظلمات والنور مصداق للمميز بينهما والله أعلم. عاد كلامه. قال (فإن قلت: لم أفرد النور. قلت: للقصد الخ) قال أحمد: وقد سبق للزمخشري الاستدلال بجمع الجنس على التكثير واعتقاد أنه أدل على الكثرة من الافراد، وقد قدمنا ما في ذلك من النظر وأسلفنا الاستدلال بقول حبر الأمة كتابه أكثر من كتبه على خلاف ذلك وهو رأي الامام أبي المعالي، ولو قال الزمخشري إن جمع الظلمات لاختلافها بحسب اختلاف ما ينشأ عنه من أجناس الأجرام وإفراد النور لاتحاد الجنس الذي ينشأ عنه وهو النار لكان أولى، والله أعلم. عاد كلامه، قال (فإن قلت: علام عطف ثم الذين كفروا بربهم يعدلون الخ) قال أحمد: وفي هذا الوجه الثاني نظر من حيث إن عطفه على الصلة يوجب دخوله في حكمها، ولو قال الحمد لله الذي الذين كفروا بربهم يعدلون لم يسند لخلو الجملة من العائد. ويمكن أن يقال وضع الظاهر الذي هو ربهم موضع المضمر تفخيما وتعظيما، وأصل الكلام الذي يعدل به الذين كفروا، أو الذي الذين كفروا يعدلون به باتساع وقوعها صلة رعاية لهذا الأصل فهذا نظر من حيث الإعراب، ونظيره قوله تعالى - وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم - فيمن جعل ما موصولة لا شرطية، فإن دخول جاءكم وما بعده في حكم الصلة يستدعي ضميرا عائدا إلى الموصول، وهو مفقود لفظا لأن الظاهر وضع فيه موضع المضمر، والأصل ثم جاءكم رسول مصدق له، فاستقام عطفه ودخوله في حكم الصلة بهذه الطريقة، لكن بقي في آية الأنعام هذه نظر في المعنى على الإعراب المذكور، وهو أنه يصير التقدير: الحمد لله الذي الذين كفروا يعدلون، ووقوع هذا عقيب الحمد غير مناسب كما ترى، فالوجه والله أعلم عطفه على أول الكلام لا على الصلة، والله الموفق.
(قوله تعالى: هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) قال (إن قلت المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفا وجب الخ) قال أحمد: وليس في إرادة هذا المعنى موجب للتقديم، وقد ورد - وعنده علم الساعة - في سياق التعظيم لها وهو مع ذلك مؤخر عن الخبر في قوله - وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة واليه ترجعون - والظاهر والله أعلم أن التقديم إنما كان لأن الكلام منقول من كلام آخر، وكان
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»