إملاء ما من به الرحمن - أبو البقاء العكبري - ج ١ - الصفحة ٨٨
أفعل تضاف إلى ما بعدها إذا كان من جنس ما قبلها، كقولك ذكرك أشد ذكر ووجهك أحسن وجه: أي أشد الأذكار وأحسن الوجوه، وإذا نصبت ما بعدها كان غير الذي قبلها كقولك: زيد أفره عبدا، فالفراهة للعبد لا لزيد، والمذكور قبل أشد هاهنا هو الذكر، والذكر لا يذكر حتى يقال الذكر أشد ذكرا، وإنما يقال الذكر أشد ذكر بالإضافة، لأن الثاني هو الأول، والذي قاله أبو علي وابن جنى وغيرهما أنه جعل الذكر ذاكرا على المجاز، كما تقول: زيد أشد ذكرا من عمرو، وعندي أن الكلام محمول على المعنى، والتقدير: أو كونوا أشد ذكرا لله منكم لآبائكم ودل على هذا المعنى قوله تعالى " فاذكروا الله " أي كونوا ذاكريه، وهذا أسهل من حمله على المجاز.
قوله تعالى (في الدنيا حسنة) يجوز أن تكون " في " متعلقة بآتنا، وأن تكون صفة لحسنة قدمت فصارت حالا (وقنا) حذفت منه الفاء كما حذفت في المضارع إذا قلت يقى وحذفت لامها للجزم، واستغنى عن همزة الوصل لتحرك الحرف المبدوء به.
قوله تعالى (في أيام معدودات) إن قيل: الأيام واحدها يوم، والمعدودات واحدها معدودة، واليوم لا يوصف بمعدودة لأن الصفة هنا مؤنثة والموصوف مذكر، وإنما الوجه أن يقال أيام معدودة فتصف الجمع بالمؤنث. والجواب أنه أجرى معدودات على لفظ أيام، وقابل الجمع بالجمع مجازا، والأصل معدودة كما قال " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ". ولو قيل: إن الأيام تشتمل على الساعات والساعة مؤنثة فجاز الجمع على معنى ساعات الأيام، وفيه تنبيه على الأمر بالذكر في كل ساعات هذه الأيام أو في معظمها لكان جوابا سديدا، ونظير ذلك الشهر والصيف والشتاء، فإنها يجاب بها عن كم، وكم إنما يجاب عنها بالعدد، وألفاظ هذه الأشياء ليست عددا، وإنما هي أسماء لمعدودات، فكانت جوابا من هذا الوجه (فلا إثم عليه) الجمهور على إثبات الهمزة، وقرئ " فلثم " ووجهها أنه لما خلط لا بالاسم حذف الهمزة لشبهها بالألف، ثم حذف ألف لا لسكونها وسكون الثاء بعدها (لمن اتقى) خبر مبتدإ محذوف تقديره: جواز التعجيل والتأخير لمن اتقى.
قوله تعالى (من يعجبك) من نكرة موصوفة، و (في الحياة الدنيا) متعلق بالقول، والتقدير: في أمور الدنيا، ويجوز أن يتعلق بيعجبك (ويشهد الله) يجوز أن يكون معطوفا على يعجبك، ويجوز أن يكون جملة في موضع الحال
(٨٨)
مفاتيح البحث: الجواز (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست