تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٥٩٣
وأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز - وهو دم القراد مع الصوف - جاء أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: أنشدك بالله والرحم، ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال: " بلى "، قال: قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع. والمعنى: لو كشف الله تعالى عنهم هذا الضر وهو الهزال والقحط الذي أصابهم برحمته عليهم ووجدوا الخصب لرجعوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار، ولتمادوا في غوايتهم يترددون. واستشهد على ذلك بأنا أخذناهم بالسيوف، وبما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم وأسرهم، فما وجدت منهم بعد ذلك استكانة ولا تضرع، حتى فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو آلم (1) العذاب وأشد من الأسر والقتل، فأبلسوا الساعة وخضعت رقابهم، وجاء أعتاهم في العناد والاستكبار يستعطفك، أو: محناهم بكل محنة من الجوع والقتل فما رئي منهم لين قياد وهم كذلك حتى إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ " يبلسون "، كقوله: * (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) * (2)، والإبلاس: اليأس من كل خير، وقيل: هو السكوت مع التحير (3)، واستكان: (4) استفعل من الكون، أي: انتقل من كون إلى كون، كاستحال: إذا انتقل من حال إلى حال، أو: هو افتعل من السكون أشبعت فتحة عينه، كما قيل:... بمنتزاح (5).
* (وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما

(١) في نسخة: " أطم ".
(٢) الروم: ١٢.
(3) في نسختين: " التحسير ". وهو قول العجاج على ما في تفسير الماوردي: ج 4 ص 302.
(4) في نسخة زيادة: " هو ".
(5) من قول إبراهيم بن هرمة يرثي ابنه:
فأنت من الفوائل حين ترمى * وعن ذم الرجال بمنتزاح انظر الخصائص لابن جني: ج 2 ص 316 و ج 3 ص 121.
(٥٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 588 589 590 591 592 593 594 595 596 597 598 ... » »»