الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٠٠
إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل * الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون * أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون
____________________
مثل مقيم في وقوعه صفة لعذاب: أي عذاب مخز له وهو يوم بدر وعذاب دائم وهو عذاب النار. وقرئ مكاناتكم (للناس) لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه ليبشروا وينذروا فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية ولا حاجة إلى ذلك فأنا الغنى، فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه ومن اختار الضلالة فقد ضرها. وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى فإن التكليف مبنى على الاختيار دون الإجبار (الأنفس) الجمل كما هي. وتوفيها إماتتها وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة دراكة من صحة أجزائها وسلامتها لأنها عند سلب الصحة كأن ذاتها قد سلبت (والتي لم تمت في منامها) يريد ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها: أي يتوفاها حين تنام تشبيها للنائمين بالموتى، ومنه قوله تعالى - وهو الذي يتوفاكم بالليل - حيث لا يميزون ولا يتصرفون كما أن الموتى كذلك (فيمسك) الأنفس (التي قضى عليها الموت) الحقيقي: أي لا يردها في وقتها حية (ويرسل الأخرى) النائمة (إلى أجل مسمى) إلى وقت ضربه لموتها. وقيل يتوفى الأنفس يستوفيها ويقبضها وهى الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة، ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها وهى أنفس التمييز، قالوا: فالتي تتوفى في النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس. ورووا عن ابن عباس رضي الله عنهما: في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والتحرك، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه. والصحيح ما ذكرت أولا لأن الله عز وعلا علق التوفي والموت والمنام جميعا بالأنفس وما عنوا بنفس الحياة والحركة ونفس العقل والتمييز غير متصف بالموت والنوم، وإنما الجملة هي التي تموت وهى التي تنام (إن في ذلك) إن في توفى الأنفس مائتة ونائمة وإمساكها وإرسالها إلى أجل لآيات على قدرة الله وعلمه لقوم يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون. وقرئ قضى عليها الموت على البناء للمفعول (أم اتخذوا) بل اتخذ قريش، والهمزة للإنكار (من دون الله) من دون إذنه (شفعاء) حين قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ألا ترى إلى قوله تعالى (قل لله الشفاعة جميعا) أي هو مالكها فلا يستطيع أحد شفاعة إلا بشرطين: أن يكون المشفوع له مرتضى وأن يكون الشفيع مأذونا له، وههنا الشرطان مفقودان جميعا (أو لو كانوا) معناه: أيشفعون ولو كانوا (لا يملكون شيئا ولا يعقلون) أي ولو كانوا على هذه الصفة لا يملكون شيئا قط حتى يملكوا الشفاعة ولا عقل لهم (له ملك السماوات والأرض) تقرير لقوله تعالى - لله الشفاعة جميعا - لأنه إذا كان له الملك كله والشفاعة من الملك كان مالكا لها. فإن قلت: بم يتصل قوله (ثم إليه ترجعون)؟
(٤٠٠)
مفاتيح البحث: الضلال (1)، الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 ... » »»