الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٩٧
* ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون * إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون
____________________
قضية مذهبة من أن يدعى كل واحد منهم عبوديته ويتشاكسوا في ذلك ويتغالبوا كما قال تعالى - ولعلا بعضهم على بعض - ويبقى هو متحيرا ضائعا لا يدرى أيهم يعبد على ربوبيته أيهم يعتمد وممن يطلب رزقه وممن يلتمس رفقه، فهمه شعاع وقلبه أوزاع، وحال من لم يثبت إلا إلها واحدا فهو قائم بما كلفه عارف بما أرضاه وما أسخطه متفضل عليه في عاجله مؤمل للثواب في آجله، (وفيه) صلة شركاء كما تقول اشتركوا فيه. والتشاكس والتشاخس الاختلاف، تقول تشاكست أحواله وتشاخست أسنانه (سالما لرجل) خالصا له، وقرئ سلما بفتح الفاء والعين وفتح الفاء وكسرها مع سكون العين وهى مصادر سلم، والمعنى ذا سلامة لرجل: أي ذا خلوص له من الشركة من قولهم سلمت له الضيعة. وقرئ بالرفع على الابتداء: أي وهناك رجل سالم لرجل؟ وإنما جعله رجلا ليكون أفطن لما شقى به أو سعد، فإن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك (هل يستويان مثلا) هل يستويان صفة على التمييز والمعنى: هل يستوى صفتاهما وحالاهما، وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس، وقرئ مثلين كقوله تعالى - وأكثر أموالا وأولادا - مع قوله - أشد منهم قوة - ويجوز فيمن قرأ مثلين أن يكون الضمير في يستويان للمثلين لأن التقدير مثل رجل ومثل رجل، والمعنى: هل يستويان فيما يرجع إلى الوصفية كما تقول كفى بهما رجلين (الحمد لله) الواحد الذي لا شريك له دون كل معبود سواه: أي يجب أن يكون الحمد متوجها إليه وحده والعبادة، قد ثبت أنه لا إله إلا هو (بل أكثرهم لا يعلمون) فيشركون به غيره. وكانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته، فأخبر أن الموت يعمهم، فلا معنى للتربص وشماتة الباقي بالفاني. وعن قتادة: نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم. وقرئ مائت ومائتون، والفرق بين الميت والمائت أن الميت صفة لازمة كالسيد، وأما المائت فصفة حادثة تقول زيد مائت غدا كما تقول سائد غدا: أي سيموت وسيسود، وإذا قلت زيد ميت فكما تقول حي في نقيضه فيما يرجع إلى اللزوم والثبوت، والمعنى في قوله (إنك ميت وإنهم ميتون) إنك وإياهم وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان (ثم إنكم) ثم إنك وإياهم، فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب (تختصمون) فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا فاجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد ويعتذرون بما لا طائل تحته، تقول الأتباع أطعنا سادتنا وكبراءنا وتقول السادات أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون وقد حمل على اختصام الجميع وأن الكفار يخاصم بعضهم بعضا حتى يقال لهم لا تختصموا لدى والمؤمنون الكافرين يبكتونهم بالحجج وأهل القبلة يكون بينهم الخصام. قال عبد الله بن عمر: لقد عشنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية أنزلت فينا وفى أهل الكتاب، قلنا: كيف نختصم ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد؟ حتى رأيت بعضا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت أنها نزلت فينا. وقال أبو سعيد الخدري: كنا نقول ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا. وعن
(٣٩٧)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، الضرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»