الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤١١
طبتم فادخلوها خالدين. وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين. وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين.
____________________
في صفة ثواب أهل الجنة فدل بحذفه على أنه شئ لا يحيط به الوصف وحق موقعه ما بعد خالدين. وقيل حتى إذا جاءوها جاءوها وفتحت أبوابها: أي مع فتح أبوابها. وقيل أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها، وأما أبواب الجنة فمتقدم فتحها بدليل قوله - جنات عدن مفتحة لهم الأبواب - فلذلك جئ بالواو كأنه قيل: حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها. فإن قلت: كيف عبر عن الذهاب بالفريقين جميعا بلفظ السوق. قلت: المراد بسوق أهل النار طردهم إليها بالهوان والعنف كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل، والمراد بسوق أهل الجنة سوق مراكبهم لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين وحثها إسراعا بهم إلى دار الكرامة والرضوان كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك فشتان ما بين السوقين (طبتم) من دنس المعاصي وطهر من خبث الخطايا (فادخلوها) جعل دخول الجنة مسببا عن الطيب والطهارة، فما هي إلا دار الطيبين ومثوى الطاهرين لأنها دار طهرها الله من كل دنس وطيبها من كل قذر فلا يدخلها إلا مناسب لها موصوف بصفتها، فما أبعد أحوالنا من تلك المناسبة وما أضعف سعينا في اكتساب تلك الصفة إلا أن يهب لنا الوهاب الكريم توبة نصوحا تنقى أنفسنا من درن الذنوب وتميط وضر هذه القلوب (خالدين) مقدرين الخلود (الأرض) عبارة عن المكان الذي أقاموا فيه واتخذوه مقرا ومتبوأ وقد أورثوها: أي ملكوها وجعلوا ملوكها وأطلق تصرفهم فيها كما يشاءون تشبيها بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه واتساعه فيه وذهابه في إنفاقه طولا وعرضا. فإن قلت: ما معنى قوله (حيث نشاء) وهل يتبوأ أحدهم مكان غيره؟ قلت: يكون لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وزيادة على الحاجة فيتبوأ من جنته حيث يشاء ولا يحتاج إلى جنة غيره (حافين) محدقين من حوله (يسبحون بحمد ربهم) يقولون سبحان الله والحمد لله متلذذين لا متعبدين. فإن قلت: إلام يرجع الضمير في قوله (بينهم)؟ قلت:
يجوز أن يرجع إلى العباد كلهم، وأن إدخال بعضهم النار وبعضهم الجنة لا يكون إلا قضاء بينهم بالحق والعدل، وأن يرجع إلى الملائكة على أن ثوابهم وإن كانوا معصومين جميعا لا يكون على سنن واحد، ولكن يفاضل بين مراتبهم على حسب تفاضلهم في أعمالهم فهو القضاء بينهم بالحق. فإن قلت: قوله (وقيل الحمد لله) من القائل ذلك؟
قلت: المقضى بينهم إما جميع العباد وإما الملائكة كأنه قيل: وقضى بينهم بالحق، وقالوا الحمد لله على قضائه بيننا بالحق وإنزال كل منا منزلته التي هي حقه. عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ سورة الزمر لم يقطع الله رجاءه يوم القيامة وأعطاه الله ثواب الخائفين الذين خافوا) وعن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر).
(٤١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 ... » »»