الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٢٥
قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين. قال إني لعملكم من القالين.
رب نجني وأهلي مما يعملون. فنجيناه وأهله أجمعين. إلا عجوزا في الغابرين.
____________________
العظيمة (لئن لم تنته) عن نهينا وتقبيح أمرنا (لتكونن) من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا وطردناه من بلدنا، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ حال من تعنيف به واحتباس لأملاكه، وكما يكون حال الظلمة إذا أجلوا بعض من يغضبون عليه وكما كان يفعل أهل مكة بمن يريد المهاجرة. و (من القالين) أبلغ من أن يقول إني لعملكم قال كما تقول فلان من العلماء فيكون أبلغ من قولك فلان عالم لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم ومعروفه مساهمة لهم في العلم. ويجوز أن يريد من الكاملين في قلاكم، والقلى: البغض الشديد كأنه بغض يقلى الفؤاد والكبد، وفى هذا دليل على عظم المعصية، والمراد القلى من حيث الدين والتقوى، وقد تقوى همة الدين في دين الله حتى تقرب كراهته للمعاصي من الكراهة الجبلية (مما يعملون) من عقوبة عملهم وهو الظاهر، ويحتمل أن يريد بالتنجية العصمة. فإن قلت: فما معنى قوله (فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا)؟ قلت: معناه أنه عصمه وأهله من ذلك إلا العجوز فإنها كانت غير معصومة منه لكونها راضية به ومعينة عليه ومحرشة والراضي بالمعصية في حكم العاصي. فإن قلت: كان أهله مؤمنين ولولا ذلك لما طلب لهم النجاة فكيف استثنيت الكافرة منهم؟
قلت: الاستثناء إنما وقع من الأهل، وفى هذا الاسم لها معهم شركة بحق الزواج وإن لم تشاركهم في الإيمان. فإن قلت: (في الغابرين) صفة لها كأنه قيل إلا عجوزا غابرة ولم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم. قلت: معناه إلا
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»