الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٣١
لغفور رحيم. يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون. وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف
____________________
الهجرة والجهاد والصبر (يوم تأتي) منصوب برحيم أو بإضمار أذكر. فإن قلت: ما معنى النفس المضافة إلى النفس؟ قلت: يقال لعين الشئ وذاته نفسه. وفي نقيضه غيره والنفس الجملة كما هي، فالنفس الأولى هي الجملة والثانية عينها وذاتها فكأنه قيل: يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره كل يقول نفسي نفسي. ومعنى المجادلة عنها الاعتذار عنها كقوله - هؤلاء أضلونا - ما كنا مشركين - ونحو ذلك (وضرب الله مثلا قرية) أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا وتولوا فأنزل الله بهم نقمته، فيجوز أن تراد قرية مقدرة على هذه الصفة، وأن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها فضربها الله مثلا لمكة إنذارا من مثل عاقبتها (مطمئنة) لا يزعجها خوف لأن الطمأنينة مع الأمن والانزعاج والقلق مع الخوف (رغدا) واسعا. والأنعم جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع أو جمع نعم كبؤس وأبؤس، وفي الحديث " نادى منادي النبي الله صلى الله عليه وسلم بالموسم بمنى: إنها أيام طعم ونعم فلا تصوموا ". فإن قلت:
الإذاقة واللباس استعارتان فما وجه صحتهما والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار فما وجه صحة إيقاعها عليه.
قلت: أما الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها فيقولون ذاق فلان البؤس والضر وأذاقه العذاب، شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر والبشع، وأما اللباس فقد شبه به لاشتماله على اللابس ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث، وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف فلأنه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس فكأنه قيل: فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف، ولهم في نحو هذا طريقان لا بد من الإحاطة بهما، فإن الاستنكار لا يقع إلا لمن فقدهما: أحدهما أن ينظروا فيه إلى المستعار له كما نظر إليه ههنا ونحوه قول كثير:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا * غلقت لضحكته رقاب المال استعار الرداء للمعروف لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه ووصفه بالغمر الذي هو مصف
(٤٣١)
مفاتيح البحث: الخوف (1)، اللبس (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 ... » »»