التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٥٥٤
وقوله (فصدوا عن سبيل الله) أي صدوا نفوسهم وغيرهم عن سبيل الله التي هي الحق والهدى. وقيل: فصدوا عن سبيل الله من قبلهم بكفرهم. ثم بين تعالى مالهم على ذلك فقال (فلهم عذاب مهين) يهينهم ويذلهم والإهانة الاحتقار يقال: أهانه يهينه إهانة، ومثله أذله يذله إذلالا وأخزاه يخزيه إخزاء، ونقيضه الاكرام، ثم قال (لن تغني عنهم أموالهم) التي جمعوها (ولا أولادهم) الذين خلفوهم (من الله شيئا) يدفع عقابه عنهم، أغنى يغني عنى إذا دفع عنه دفعا يستغنى عنه. ثم قال (أولئك) مع هذا كله (أصحاب النار) أي الملازمون لها (وهم فيها خالدون) مؤبدون لا يخرجون عنها (يوم يبعثهم الله جميعا) و (يوم) يتعلق ب‍ (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا.. يوم يبعثهم الله جميعا) يعنى يوم القيامة (فيحلفون له) أي يقسمون لله (كما يحلفون لكم) في الدنيا بأنهم كانوا مؤمنين في الدنيا في اعتقادهم وظنهم، لأنهم كانوا يعتقدون أن ما هم عليه هو الحق (ويحسبون انهم على شئ) معناه يظنون أنهم على شئ في هذه الايمان. فقال الله تعالى (ألا انهم هم الكاذبون) فيما يذكرونه من الايمان والمعنى إنهم لم يكونوا مؤمنين على الحقيقة، وإنما كان اعتقادهم اعتقاد جهل. وقيل: معناه انهم (هم الكاذبون) في الدنيا. وقيل: معناه ألا إنهم هم الخائبون، يقال كذب ظنه إذا خاب أمله. وقال قوم (ويحسبون انهم على شئ) يعنى في دار الدنيا، ولا يحسبون ذلك في الآخرة لأنهم يعلمون الحق اضطرارا، وهم ملجئون إلى الأفعال الحسنة وترك القبيح.
قال الرماني: وهذا غلط، لأنه مخالف لظاهر القرآن بغير دليل، قال والصواب ما قال الحسن في أن الآخرة مواطن يمكنون في بعضها من فعل القبيح، ولا يمكنون في بعض، ويكون كذبهم ككذب الصبي الدهش الذي يلحقهم.
(٥٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 ... » »»
الفهرست