التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٥٥
قد ملك الله كثيرا من خلقه الأمر والنهي والضر والنفع. ثم قال " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " معناه لا يخاصم في دفع حجج الله وإنكارها وجحدها إلا الذين يجحدون نعم الله ويكفرون بآياته وأدلته. ثم قال لنبيه " فلا يغررك " يا محمد " تقلبهم في البلاد " أي تصرفهم لقولهم: لفلان مال يتقلب فيه أي يتصرف فيه. والمعنى لا يغررك سلامتهم وإمهالهم، فان عاقبتهم تصير إلي ولا يفوتونني.
وفي ذلك غاية التهديد.
ثم بين ذلك بأن قال " كذبت قبلهم " أي قبل هؤلاء الكفار " قوم نوح " بان جحدوا نبوته " والأحزاب من بعد هم " أيضا كذبوا رسلهم " وهمت كل أمة برسولهم " وإنما قال برسولهم لأنه أراد الرجال. وفي قراءة عبد الله " برسولها ليأخذوه " قال قتادة هموا به ليقتلوه " وجادلوا بالباطل " أي وخاصموا في دفع الحق بباطل من القول. وفي ذلك دليل على أن الجدال إذا كان بحق كان جائزا " ليدحضوا به الحق " أي ليبطلوا الحق الذي بينه الله واظهره ويزيلوه، يقال: أدحض الله حجته. وقال تعالى " حجتهم داحضة عند ربهم " (1) أي زائلة. ثم قال " فاخذتهم " أي فأهلكتهم ودمرت عليهم " فكيف كان عقاب " فما الذي يؤمن هؤلاء من مثل ذلك؟!
قوله تعالى:
(وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار (6) الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت

(1) سورة 42 الشورى آية 16
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست