التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٤١
بالامر مجاهرة. ونقيض الجهر الهمس.
ثم بين تعالى انهم متى فعلوا ذلك بان يرفعوا الصوت على صوت النبي صلى الله عليه وآله على الوجه الذي قلناه أن يحبط اعمالهم، والتقدير لا ترفعوا أصواتكم لان لا تحبط قال الزجاج: ويكون اللام لام العاقبة، والمعنى يحبط ثواب ذلك العمل، لأنهم لو أوقعوه على وجه الاستحقاق لاستحقوا به الثواب، فلما فعلوه على خلاف ذلك استحقوا عليه العقاب، وفاتهم ذلك الثواب فذاك إحباط أعمالهم، فلا يمكن أن يستدل بذلك على صحة الاحباط في الآية على ما يقوله أصحاب الوعيد، ولأنه تعالى علق الاحباط في الآية بنفس العمل، وأكثر من خالفنا يعلقه بالمستحق على الاعمال، وذلك خلاف الظاهر.
ثم مدح تعالى من كان بخلاف من يرفع الصوت بين يدي النبي صلى الله عليه وآله، فقال " إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله " اعظاما للنبي وإجلالا له، والغض الحط من منزلة على وجه التصغير له بحالة، يقال: غض فلان عن فلان إذا ضعف حاله عن حال من هو أرفع منه، وغض بصره إذا ضعف عن حدة النظر، وغض صوته إذا ضعف عن الجهر، وقال جرير:
فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا (1) ثم قال " أولئك " يعني الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله هم " الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى " أي لا خلاص التقوى فعاملهم معاملة المختبر كما يمتحن الذهب لا خلاص جيده. وقيل " امتحن الله قلوبهم للتقوى " أخلصها - في قول مجاهد وقتادة - وقال قوم: معناه أولئك الذين علم الله التقوى في قلوبهم، لان الامتحان يراد به العلم، فعبر عن العلم بالامتحان.

(1) ديوانه والطبري 26 / 69
(٣٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 ... » »»
الفهرست