التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٤٠
من التقديم. وقيل: انهما لغتان. قدم وتقدم مثل عجل وتعجل وقال ابن عباس والحسن: الآية " لا تقدموا " في الحكم أو في الامر قبل كلامه صلى الله عليه وآله - بفتح الدال والتاء - وقال الحسن: ذبح قوم قبل صلاة العيد يوم النحر، فأمروا بإعادة ذبيحة أخرى. وقال الزجاج: المعنى لا تقدموا أعمال الطاعة قبل الوقت الذي أمر الله والنبي صلى الله عليه وآله به حتى قيل لا يجوز تقدم الزكاة قبل وقتها. وقال قوم:
كانوا إذا سألوا عن شئ قالوا فيه قبل النبي صلى الله عليه وآله نهوا عن ذلك، والأولى حمل الآية على عمومها فيقال: كل شئ إذا فعل كان خلافا لله ورسوله فهو تقدم بين أيديهما فيجب المنع من جميع ذلك.
هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين الذين اعترفوا بتوحيده وإخلاص عبادته وأقروا بنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وآله ينهاهم أن يتقدموا بين يدي النبي صلى الله عليه وآله بأن يفعلوا خلاف ما أمر به أو يقولوا في الاحكام قبل ان يقول أو يخالفوا أوقات العبادة، فان جميع ذلك تقدم بين يديه، وأمرهم ان يتقوا الله بأن يجتنبوا معاصيه ويفعلوا طاعاته " إن الله سميع " لما يقولونه " عليم " بما ينطوون عليه ويضمرونه. ثم أمرهم ثانيا بأن قال " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " على وجه الاستخفاف به صلى الله عليه وآله، فان مجاهد وقتادة قالا: جاء أعراب أجلاف من بني تميم، فجعلوا ينادون من وراء الحجرات: يا محمد اخرج إلينا، ولو أن إنسانا رفع صوته على صوت النبي صلى الله عليه وآله على وجه التعظيم له والإجابة لقوله لم يكن مأثورما. وقد فسر ذلك بقوله " ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض " فان العادة جارية أن من كلم غيره ورفع صوته فوق صوته أن ذلك على وجه الاستخفاف به، فلذلك نهاهم عنه.
وجهر الصوت أشد من الهمس، ويكون شديدا وضعيفا ووسطا. والجهر ظهور الصوت بقوة الاعتماد، ومنه الجهارة في المنطق. ويقال: نهارا جهارا، وجاهر
(٣٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 ... » »»
الفهرست