التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ١٥
لما أمر الله به ونهى عنه، وإنما أمر بأن يكون أول المسلمين وإن كان قبله مسلمون كثيرون لان المراد به أول المسلمين من هذه الأمة، ففي ذلك أنه دعاهم إلى ما رضيه الله له ورضيه لنفسه، وأن يقول لهم أيضا (إني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم) يعني عذاب يوم القيامة. ثم قال (قل) لهم (الله اعبد) أي ا عبد الله (مخلصا) بعبادتي (له) تعالى (ديني) وطاعتي (فاعبدوا) أنتم معاشر الكفار (ما شئتم من دونه) من الأصنام والأوثان على وجه التهديد بذلك ثم قال (قل) لهم (إن الخاسرين) في الحقيقة هم " الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة " بأن فعلوا المعاصي، فخسروا بذلك أهاليهم الذين كانوا معدين لهم من الحور العين لو أطاعوه - في قول الحسن - وخسروا أنفسهم أي أهلكوها بالعذاب المهين الظاهر، لمن أدركه، ولا يخفى على أحد الحال فيه.
ثم قال تعالى " ألا ذلك هو الخسران المبين " يعنى الظاهر الذي لا يخفى، ثم بين ذلك الخسران بأن قال " لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل " فالظلة السترة القائمة، وجمعها ظلل، ولذلك قيل من فوقهم ظلل ومن تحتهم ظلل إذ النار أدراك فهم بين أطباقها - نعوذ بالله منها - فما هو تحت هؤلاء ظلل لمن دونهم ويجوز أن يكون المراد من تحتهم مثل تلك الظلل لان الظلة لا تسمى كذلك إلا إذا كانت عالية فوق من هي ظلة له ثم قال " ذلك يخوف الله به عباده " أي ما أخبركم به من الوعيد وما أعده للكفار يحذر الله به عباده من ارتكاب معاصيه، ثم ناداهم فقال " يا عباد فاتقون " أي اتقوا معاصي وافعلوا طاعاتي والتخويف الاعلام بموضع المخافة لتتقى ومثله التحذير والترهيب.
وقرأ رويس " يا عبادي " باثبات الياء - في الحالين - الباقون بحذفها، لان الكسرة تدل على الياء.
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست