التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ١٠٠
توحيده وإخلاص العبادة له (ويريكم آياته) أي يعلمكم حججه ويعرفكم إياها، منها إهلاك الأمم الماضية على ما اخبر عنهم ووجه الآية فيه انهم بعد النعمة العظيمة صاروا إلى النقم لأنهم عصوا فاقتضى ذلك العصيان أولا النقمان ثانيا. وكان فيه أوضح الدليل على تثبيت القديم تعالى الذي لولاه لم يصح فعل ولا تدبير. ومنها الآية في خلق الانعام التي قدم ذكرها، ووجه الآية فيه تسخيرها لمنافع العباد بالتصرف في الوجوه التي قد جعل كل شئ منها لما يصلح له وذلك يقتضي ان الجاعل لذلك قادر على تصريفه عالم بتدبيره، وإنما يرى الآيات بالبيان عنها الذي يحضر للناس معناها ويخطرها ببالهم، وينبه عليها، فإنه يحتاج أولا في الآية احضارها للنفس ثم الاستدلال عليها والتمييز بين الحق والباطل منها، فأول الفائدة إخطارها بالبال والتنبيه عليها. والثاني الاستدلال عليها إلى الحق.
ثم قال (فأي آيات الله تنكرون) توبيخا لهم على جحدها، وقد يكون الانكار للآية تارة بجحدها أصلا. وقد يكون تارة بجحد كونها دالة على صحة ما هي دالة عليه، والخلاف في الدلالة يكون من ثلاثة أوجه: اما في صحتها في نفسها، أو في كونها دلالة، أو فيهما. وإنما يجوز من الجهال دفع الآية بالشبهة مع قوة الآية وضعف الشبهة لأمور:
منها اتباع الهوى ودخول الشبهة التي تغطي الحجة حتى لا يكون لها في النفس منزلة.
ومنها التقليد لمن ترك النظر في الأمور.
ومنها السبق إلى اعتقاد فاسد لشبهة فيمتنع ذلك من توليد النظر للعلم.
ثم نبههم فقال (أفلم يسيروا في الأرض) بأن يمروا في جنباتها (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم) عددا (وأشد قوة) أي
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست