التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٤٦٣
فمعنى هذه القراءة: وهم يخصمون عند أنفسهم في دفع النشأة الثانية والقراءتان الأوليتان بمعنى يختصمون، فأدغمت الياء في الصاد بعد أن أسكنت. فمن أسكن الخاء، فلأنها في الأصل ساكنة، ومن فتحها نقل حركة الياء إليها.
ومن كسر الخاء اتبع كسرتها كسرة الصاد. وفي القراء من كسر الياء اتباعا لكسرة الخاء، كما قالوا يهدي، وهو يجئ عن أبي بكر.
يقول: الله تعالى مخبرا عن عناد هؤلاء الكفار وشدة جهلهم بأنه * (ما تأتيهم من آية) * أي دلالة وحجة من حجج الله و (من) تزاد في النفي إذا أريد بها الاستغراق، كقولهم: ما جاءني من أحد ومعناه ما جاءني أحد. و (من) الثانية للتبعيض، لأنه ليس كل آيات الله جاءتهم، غير أنه تعالى قال ليس تأتيهم من آية أي أي آية كانت * (من آيات ربهم إلا كانوا) * هؤلاء الكفار * (عنها معرضين) * أي ذاهبين عنها وتاركين لها ومعرضين عن النظر فيها، وكل من اعرض عن الداعي إلى كتاب الله وآياته التي نصبها لعباده ليعرفوه بها فقد ضل عن الهدى وخسر الدنيا والآخرة.
ثم اخبر تعالى انه إذا قيل لهم: أيضا * (انفقوا مما رزقكم الله) * في طاعته واخرجوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم - من الزكوات وغيرها وضعوها في مواضعها * (قال الذين كفروا) * بوحدانية الله وجحدوا ربوبيته وكذبوا بنبوة نبيه * (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) * احتجاجا منهم في منع الحقوق، بأن يقولوا كيف نطعم من الله قادر على إطعامه؟! ولو شاء إطعامه أطعمه، فإذا لم يطعمه دل على أنه لم يشأ إطعامه فنحن إذا أحق بذلك. وذهب عليهم أن الله تعبدهم بذلك، لما فيه من المصلحة واللطف في فعل الواجبات وترك المقبحات، فلذلك كلفهم إطعام غيرهم. و (الرزق) هو ما خلق الله لخلقه لينتفعوا به على وجه
(٤٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 ... » »»
الفهرست