التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٨٧
ولا خلاف في الأولى أنها بغير الف.
اخبر الله تعالى حاكيا عن الكفار ممن عاصر النبي صلى الله عليه وآله أنهم لم يؤمنوا بالله ولم يصدقوا رسوله في اخلاص العبادة له تعالى " بل قالوا مثل ما قال الأولون " أي مثل الذي قاله الكفار الأولون: من انكار البعث والنشور والحساب والجنة والنار، فأقوال هؤلاء مثل أقوال أولئك. وإنما دخلت عليهم الشبهة في انكار البعث، لأنهم لم يشاهدوا ميتا عاش، ولا جرت به العادة، وشاهد والنشأة الأولى من ميلاد من لم يكن موجودا. ولو فكروا في أن النشأة الأولى أعظم منه لعلموا أن من أنكره فقد جهل جهلا عظيما، وذهب عن الصواب ذهابا بعيدا، لان من قدر على اختراع الأجسام لامن شئ، قدر على إعادتها إلى الصفة التي كانت عليها، مع وجودها.
ثم حكى ما قال كل منهم، فإنهم قالوا منكرين " أ إذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون " أي كيف نصير أحياء بعد ان صرنا ترابا ورمما وعظاما نخرة؟!
ثم قالوا " لقد وعدنا " بهذا الوعد " نحن وآباؤنا " من قبل هذا الموعد، فلم نر لذلك صحة، ولا لهذا الوعد صدقا، وليس " هذا إلا أساطير الأولين " أي ما سطره الأولون مما لا حقيقة له، وإنما يجري مجرى حديث السمر الذي يكتب للاطراف به. والأساطير هي الأحاديث المسطرة في الكتب، واحدها أسطورة.
فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله " قل " يا محمد لهؤلاء المنكرين للبعث والنشور " لمن الأرض ومن فيها " أي من يملك الأرض ويملك من فيها من العقلاء (وقوله " إن كنتم تعلمون " موافقة لهم في دعواهم. ثم قال في الجواب " سيقولون لله " أي سيقولون إن السماوات والأرض ومن فيهما الله، لأنهم لم يكونوا يجحدون الله.
وإنما كذبوا الرسول. وقوله " قل أفلا تذكرون " أي أفلا تتفكرون في مالكها.
وتتذكرون قدرته وانه لا يعجزه شئ عن إعادتكم بعد الموت، مرة ثانية كما أنشأكم
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»
الفهرست