التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٠٥
قوله تعالى:
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التورية والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (112) آية قرأ حمزة والكسائي " فيقتلون ويقتلون " على مفعول وفاعل. الباقون على فاعل ومفعول. من قدم الفعل المسند إلى الفاعل، فلأنهم يقتلون أولا في سبيل الله ويقتلون، ولا يقتلون إذا قتلوا. ومن قدم الفعل المسند إلى المفعول جاز أن يكون أراد ذلك المعنى أيضا لان المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم وان لم يقدر ذلك كأن المعنى يقتل بعضهم ويقتل من بقي منهم بعد قتل من قتل منهم، كما أن قوله " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله " (1) ومعناه ما وهن من بقي منهم لقتل من قتل من المؤمنين. وحقيقة الاشتراء لا نجوز على الله تعالى، لان المشتري إنما يشتري ما لا يملك، والله تعالى مالك الأشياء كلها. وإنما هو كقوله " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " (2) في أنه أجري بحسن المعاملة والتلفظ في الدعاء إلى الطاعة مجرى ما لا يملكه المعامل فيه، ولما كان الله تعالى رغب في الجهاد وقتال الاعداء وضمن على ذلك الثواب عبر عن ذلك بالاشتراء. فجعل الثواب ثمنا والطاعات مثمنا على ضرب من المجاز، وكما أن في مقابلة الطاعة الثواب فكذلك في مقابلة الألم العوض غير أن الثواب مقترن بالاجلال والاكرام، والعوض خال منهما، والمثاب محسن مستحق على احسانه المدح وليس كذلك المعوض.

(1) سورة 3 آل عمران آية 146 (2) سورة 2 البقرة آية 245
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»
الفهرست