شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٣ - الصفحة ٢٥
ظالم غلب إنسانا على رحله أو متاعه، فالواجب على المغلوب أن يمانعه ويدافعه ليخلص ماله من يده، ولا يقصد إلى إتلافه ولا قتله، فإن أفضى الامر إلى ذلك بلا قصد كان معذورا، وإنما خاف القوم - في التأني به، والصبر عليه، إلى أن يخلع نفسه - من كتبه التي طارت في الآفاق، يستنصر عليهم ويستقدم الجيوش إليهم، ولم يأمنوا أن يرد بعض من يدفع عنه فيؤدى ذلك إلى الفتنة الكبرى والبلية العظمى.
وأما منع الماء والطعام فما فعل ذلك إلا تضييقا عليه، ليخرج ويحوج إلى الخلع الواجب عليه. وقد يستعمل في الشريعة مثل ذلك فيمن لجأ إلى الحرم من ذوي الجنايات، وتعذر إقامة الحد عليه لمكان الحرم. على أن أمير المؤمنين عليه السلام قد أنكر منع الماء والطعام، وأنفذ من مكن من حمل ذلك، لأنه قد كان في الدار من الحرم والنسوان والصبيان من لا يحل منعه من الطعام والشراب. ولو كان حكم المطالبة بالخلع والتجمع عليه والتضافر فيه حكم منع الطعام والشراب في القبح والمنكر، لا نكره أمير المؤمنين عليه السلام، ومنع منه كما منع من غيره، فقد روى عنه عليه السلام أنه لما بلغه أن القوم قد منعوا الدار من الماء، قال: لا أرى ذلك، إن في الدار صبيانا وعيالا، لا أرى أن يقتل هؤلاء عطشا بجرم عثمان. فصرح بالمعنى الذي ذكرناه، ومعلوم أن أمير المؤمنين عليه السلام ما أنكر المطالبة بالخلع، بل كان مساعدا على ذلك و مشاورا فيه.
فأما قوله: إن قتل الظالم إنما يحل على سبيل الدفع، فقد بينا أنه لا ينكر أن يكون قتله وقع على ذلك (1) الوجه، لأنه في تمسكه بالولاية عليهم وهو لا يستحقها، في حكم الظالم لهم، فمدافعته واجبة.

(1) ا: (هذا).
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 بقية رد المرتضى على ما أرده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان 4
2 ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها 11
3 بيعة جرير بن عبد الله البجلي لعلي 70
4 بيعة الأشعث لعلي 73
5 دعوة علي معاوية إلى البيعة والطاعة ورد معاوية عليه 74
6 أخبار متفرقة 91
7 مفارقة جرير بن عبد الله البجلي لمعاوية 115
8 نسب جرير وبعض أخباره 117
9 44 - ومن كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية 119
10 نسب بنى ناجية 120
11 نسب علي بن الجهم وطائفة من أخباره وشعره 122
12 نسب مصقلة بن هبيرة 127
13 خبر بني ناجية مع علي 127
14 قصة الخريت بن راشد الناجي وخروجه على علي 128
15 45 - من خطبة له عليه السلام في الزهد وتعظيم الله وتصغير أمر الدنيا 152
16 فصل بلاغي في الموازنة والسجع 153
17 نبذ من كلام الحكماء في مدح القناعة وذم الطمع 154
18 46 - من كلام له عليه السلام عن عزمه على المسير إلى الشام 165
19 أدعية على عند خروجه من الكوفة لحرب معاوية 166
20 كلام علي حين نزل بكربلاء 169
21 كلامه لأصحابه وكتبه إلى عماله 171
22 كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية وجوابه عليه 188
23 47 - من كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة \ 197
24 فصل في ذكر فضل الكوفة 198
25 48 - من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام 200
26 أخبار علي في جيشه وهو في طريقه إلى صفين 202
27 49 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه وتمجيده 216
28 فصول في العلم الإلهي: 217
29 الفصل الأول وهو الكلام على كونه تعالى عالما بالأمور الخفية 218
30 الفصل الثاني في تفسير قوله عليه السلام: " ودلت عليه أعلام الظهور " 221
31 الفصل الثالث في أن هويته تعالى غير هوية البشر 222
32 الفصل الرابع في نفي التشبيه عنه تعالى 223
33 الفصل الخامس في بيان أن الجاحد له مكابر بلسانه ومثبت له بقلبه 238
34 50 - من خطبة له عليه السلام يصف وقوع الفتن 240
35 51 - من كلام له عليه السلام لما غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السلام على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء 244
36 الأشعار الواردة في الإباء والأنف من احتمال الضيم 245
37 أباة الضيم وأخباره 249
38 غلبة معاوية على الماء بصفين ثم غلبة علي عليه بعد ذلك 312
39 52 - من خطبة له في وصف الدنيا ما قيل من الأشعار في ذم الدنيا 335